عناية العلماء بموضوع الأسماء والصفات، وجهود المصنفين فيه
مضى أصحاب القرون المفضلة من الصحابة والتابعين على إجراء نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله عز وجل، وصفاته على ظاهرها، والإيمان بما جاء فيها على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته، ولم تكن يوماً ما مثار تساؤل أو توقف حتى نبتت نوابت من المبتدعة من مشبهة ومعطلة ومحرفة. ولما كان هذا الجانب يمس حقاً من حقوق الله عز وجل، ونوعاً من أنواع التوحيد الرئيسة وهو توحيد الأسماء والصفات، فقد اهتم به العلماء اهتماماً بالغاً وكان على رأسهم المحدثون فقد انبرى كثير منهم لأولئك المبتدعة، فردوا كيدهم، ودحضوا باطلهم بالحجج القاطعة من الكتاب والسنة، وصنفوا كتباً تبين فساد آرائهم ومعتقدهم لاسيما من نهجوا منهج التأويل لصفات الله عز وجل، فقد تستروا بستار التأويل، وهو في الحقيقة تحريف للنصوص الصريحة في باب الأسماء والصفات.
وقد يسر الله ـ سبحانه وتعالى ـ لي الاطلاع على جملة كثيرة من مصنفات علماء السنة، فتبين لي بعد مراجعتها وتأملها ما بذله أولئك العلماء في دراستهم موضوع الأسماء والصفات حتى انبثقت من تلك الدراسات ثمرات متنوعة:
فمنها ما عني بجمع النصوص، ومنها ما تخصص للرد على المبتدعة، وغير ذلك، وقد تقاربت المصنفات في الموارد التي استقت منها موادها، ومع تقارب مواردهم فقد تعددت أغراضهم التي بذلوا جهودهم وألَّفوا كتبهم من أجلها، وحرص بعضهم على تركيز جهده في تحقيق غرض خاص، ومن ثم اختلفت مسالكهم في عرض الموضوعات ثم معالجتها، كما انعكست علومهم التي برعوا فيها على طرقهم في التصنيف، وبصفة عامة فإن الكتب المصنفة في الأسماء والصفات، أو التي تناولته مع موضوعات عقدية أخرى قد قدمت لأمة الإسلام صفحات مشرقة من عناية علمائها بموضوع من أهم موضوعات العقيدة التي لايستغني عنها مسلم.
وسيعنى هذا التمهيد بعون الله تعالى بعرض موجز لتك الجهود دون ذكر ما قد يكون من مؤاخذات وُجهت إلى بعضها؛ لأن غرضي تقديم عرض علمي لما يسّر الله لي الاطلاع عليه، دون التوسع في التفاصيل وأبدأ بمشيئة الله تعالى بالكلام عن المصنفات المتقدمة ثم أمرُّ مروراً عاجلاً على بعض الجهود المعاصرة والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل:
[(أ) أغراض العلماء من التصنيف في الأسماء والصفات]
تنوعت أغراضهم من تصنيف كتب الأسماء والصفات، ولم ينص أكثرهم كعادة المتقدمين على أغراضهم (١) ـ لكن تبين من خلال الاستقراء جملة أغراض فقد كان لكل عالم غرضه من تصنيف كتابه، وقد يكون للتصنيف الواحد أكثر من غرض، وتتلخص فيما يلي:
(١) جمع جملة وافرة من نصوص الأسماء والصفات في كتاب واحد: وكان من تلك الكتب ماتناول عدة صفات كما صنع ابن خزيمة ـ المتوفى سنة ٣١١ هـ ـ في كتابه (التوحيد)، والدارقطني ـ المتوفي سنة ٣٨٥ هـ ـ في كتابه (الصفات)، وابن منده ـ المتوفى سنة ٣٩٥ هـ ـ
(١) ذكر محمد بن عثمان بن أبي شيبة في مقدمة كتابه العرش (٤٩ - ٥١) الدافع له إلى تصنيف كتابه، وكذا صنع أبويعلى ... في: (إبطال التأويلات ١/ ٤١، ٤٢).