للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إذا خُللَّت الخمر بوضع شيء فيها: كالخل والبصل والملح، أو إيقاد نار عندها، فاختلف أهل العلم في حكمها على قولين (١):

الأول: لا يجوز تخليلها، ولا يحل هذا الخل: وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو مذهب الشافعية والحنابلة ورواية عن مالك، وحجتهم:

١ - أن التخليل يعتبر اقترابًا من الخمر على وجه التمول، وهو مخالف للأمر بالاجتناب في قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٢).

٢ - حديث أنس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر تُتَّخذ خلاًّ، فقال: «لا» (٣).

وفي لفظ: أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا؟ قال: «أهرقها» قال: أفلا نجعلها خلاًّ؟ قال: «لا» (٤).

وهذا النهي يقتضي التحريم، ولو كان إلى استصلاحها سبيل لم تجز إراقتها، ولكان أرشدهم إليه خصوصًا وأنها لأيتام يحرم التفريط في أموالهم. فقال: أمرته أن يبيعها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الذي حرم شربها حرَّم بيعها» ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما» (٥).

٣ - عن ابن عباس قال: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما علمت أن الله حرمها؟» فقال: لا. فساره رجل إلى جنبه، فقال: «بمَ ساررتَه؟».

٤ - عن عمر رضي الله عنه أنه صعد المنبر فقال: «لا تأكل خلاًّ من خمرٍ أُفسدت، حتى يبدأ الله تعالى إفسادها، وذلك حين طاب الخل، ولا بأس على امرئ أصاب خلاًّ من أهل الكتاب أن يبتاعه ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها» (٦).

وهذا قول يشتهر بين الناس، لأنه إعلان للحكم بين الناس على المنبر، فلم ينكر أحد.

الثاني: يجوز تخليلها، ويحلُّ الخلُّ: وهو مذهب الحنفية والراجح عند المالكية وهو قول أبي محمد بن حزم، وحجتهم:


(١) «المحلى» (٧/ ٤٣٣)، و «البدائع» (٥/ ١١٤)، و «القوانين الفقهية» (٣٤)، و «المغنى» (٩/ ١٤٥)، و «نيل الأوطار» (٨/ ٢١٤).
(٢) سورة المائدة: ٩٠.
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٩٨٣)، وغيره.
(٤) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٦٧٥)، وأحمد (٣/ ١١٩).
(٥) صحيح: تقدم قريبًا.
(٦) أخرجه أبو عبيد في «الأموال» (ص: ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>