للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فكيف يعقل لطبيب مسلم علام بشرعه أن يصف دواءً، وصفه نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه داء؟!

٢ - وعن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث» (١).

٣ - وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواءً، فتداووا، ولا تداووا بحرام» (٢).

فهذه الأدلة تدل على تحريم التداوي بالأدوية المحرمة عامة، وبالخمر خاصة.

فإن قيل: لماذا لم تُعمل قاعدة: «الضرورات تبيح المحظورات» نقول: لأمرين:

١ - أن التداوي لا يدخل في باب الضرورات على الراجح: فليس التداوي بواجب عند جماهير الأئمة، حتى قال شيخ الإسلام (٣): «ولست أعلم سالفًا أوجب التداوي» اهـ.

ومما يدل على هذا حديث ابن عباس، في المرأة السوداء التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع، فادعُ الله لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيك ...» الحديث (٤) ولو كان دفع المرض واجبًا لم يكن للتخيير موضع. «ولا يخالف هذا الأمر بالتداوي، فالجمع ممكن بأن التفويض (ترك التداوي) أفضل مع الاقتدار على الصبر، وأما مع عدم الصبر على المرض وصدور الحرج، فالتداوي أفضل لأن أفضلية التفويض قد ذهبت بعدم الصبر» اهـ (٥).

٢ - أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نصَّ على تحريم التداوي بالمحرم، كما تقدم، والله أعلم.

تنبيه: البنج ونحوه مما يُغيِّب العقل -إذا لم يوجد ما يقوم مقامه- يجوز استعماله عند الضرورة الملجئة في العمليات الجراحية (٦).

حكم الخليطين من الأشربة (٧):

لا يجوز خلط شيئين مما يقبل الانتباذ (النقع) في الماء، كالبُسر والرطب،


(١) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٨٧٠)، وابن ماجه (٣٤٥٩)، وأحمد (٢/ ٤٤٦).
(٢) حسن بطرقه: أخرجه أبو داود (٣٨٧٤)، والبيهقي (١٠/ ٥)، وانظر «الصحيحة» (١٦٣٣).
(٣) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٥٦٤).
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (٥٦٥٢)، ومسلم (٢٢٦٥).
(٥) «الدراري المضية» للشوكاني (ص: ٣٩٣).
(٦) أشار إلى نحو هذا الحافظ في «الفتح» (١٠/ ٨٠)، والنووي في «المجموع» (٣/ ٨).
(٧) المنتقى للباجي (٣/ ١٤٩)، و «مغنى المحتاج» (٤/ ١٨٧)، و «كشاف القناع» (٦/ ٩٦)، و «المحلى» (٧/ ٥٠٨)، و «نيل الأوطار» (٨/ ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>