للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى تحريم إسبال الثوب تحت الكعبين إن كان للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، قالوا: لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة، فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء!! وهكذا نصَّ الشافعي على الفرق (١).

وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: أنا لا أجرُّه خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظًا، ولا يجوز لمن تناوله لفظًا أن يخالفه، ويقول: تلك العلة ليست فيَّ، فإنها دعوى غير مسلَّمة، بل إطالة ذيله دالة على تكبره (٢).

قلت: وهذا الأخير أظهر، ويؤيده حديث جابر بن سليم الطويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة" (٣).

فجعل مجرد الإسبال من المخيلة المحرمة، فالحاصل أن إسبال الثوب تحت الكعبين حرام ويستحق فاعله أن يُعذَّب، ما تحت الكعبين في النار -كما في حديث أبي هريرة- لكن هذا لا يكون من الكبائر التي تحرمه من نظر الله تعالى إليه يوم القيامة إلا إذا قصد التكبر والخيلاء، لأن العقوبتين -عقوبة قاصد الخيلاء وغيره- قد اختلفتا فلم يجز حمل المطلق على المقيد.

وأما حديث أبي بكر، فالظاهر أنه لم يكن مسبلًا وإنما كان يسترخي فيحتاج إلى رفعه، فلا يعكِّر الحديث على ما تقدم، والله أعلم.

* هل يدخل في حكم الإسبال تطويل أكمام القميص (٤)؟

الذي يظهر أن من أطال أكمام القميص حتى خرج عن العادة دخل في حكم الإسبال، وقد نقل عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة.


(١) «شرح مسلم» للنووي (١٤/ ٦٢) ط. الفكر.
(٢) «فتح الباري» (١٠/ ٢٦٤) عن ابن العربي.
(٣) صحيح بطرقه: أخرجه أبو داود (٤٠٨٤)، وابن حبان (٥٢٢)، والنسائي في «الكبرى» (٩٦٩١)، وأحمد (٥/ ٦٣).
(٤) «فتح الباري» (١٠/ ٢٦٢)، و «زاد المعاد» (١/ ٥٢)، و «نيل الأوطار».

<<  <  ج: ص:  >  >>