للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وحكم النظر إلى المخطوبة عند أهل العلم دائر بين الإباحة والاستحباب، والثاني أقرب للأدلة السابقة، ولم يقل أحد بوجوبه -فيما علمتُ- فضلًا أن يكون شرطًا لصحة النكاح، ولذا قال شيخ

الإسلام (١): "يصح النكاح وإن لم يرها، فإنه لم يعلل الرؤية بأنه لا يصح منها النكاح، فدلَّ على أن الرؤية لا تجب، وأن النكاح يصحُّ بدونها" اهـ.

* حدود النظر إلى المخطوبة:

لا خلاف بين أهل العلم -القائلين بمشروعية النظر إلى المخطوبة- في جواز النظر إلى الوجه والكفين (٢).

ثم اختلفوا في القدر الذي يُباح النظر إليه فوق ذلك على أربعة أقوال (٣):

الأول: لا ينظر إلى الوجه والكفين فقط، وبه قال الجمهور: الحنفية والمالكية والشافعية وهو قول عند الحنابلة، قالوا: لأن الوجه مجمع المحاسن وموضع النظر، ولدلالته على الجمال، ودلالة الكفين على خضب البدن، ولأنهما يظهران عادة فلا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة.

الثاني: يُباح النظر إلى ما يظهر منها غالبًا، كالرقبة واليدين والقدمين، وهو الصحيح في مذهب الحنابلة، ووجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها عُلم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر منها عادة، ولأنها امرأة أُبيح النظر إليها بأمر الشارع، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم.

وقد رُوي عن أبي جعفر الباقر قال: خطب عمر إلى عليٍّ ابنته، فقال: إنها صغيرة، فقيل لعمر: إنما يريد بذلك منعها، قال: فكلمه، فقال عليٌّ: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، قال: فبعث بها إليه، قال: فذهب عمر فكشف عن ساقيها، فقالت: أَرْسِل، فلولا أنك أمير المؤمنين لصككتُ عنقك" (٤). وفي سنده انقطاع.


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٣٥٥).
(٢) «المغني» (٦/ ٥٥٢).
(٣) «ابن عابدين» (٥/ ٢٣٧)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٢٧٥)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٢٨)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ١٨٣)، و «المغني» (٦/ ٥٥٢)، و «الإنصاف» (٨/ ١٩)، و «فتح الباري» (٩/ ١٨٢)، و «المحلي» (١٠/ ٣٠).
(٤) إسناده منقطع: أخرجه عبد الرزاق (٦/ ١٦٣)، وسعيد بن منصور (٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>