للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلى هذا مال ابن عابدين -رحمه الله- فقال: " ... فالذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه، إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال: لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها، لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح كما لا تعتبر من الصبي العاقل" اهـ.

(د) طلاق السفيه:

السفيه: خفيف العقل، الذي يتصرف في المال على غير وفق العقل والشرع.

وطلاق السفيه يقع عند أكثر أهل العلم، منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وغيرهم، ومنعه عطاء والشيعة الإمامية.

وصحته أولى، لأن السفيه مكلف مالك لمحل الطلاق، ولأنَّ السَّفَه موجب للحجر في المال خاصته، وهذا تصرف في النفس، وهو غير متهم في حق نفسه، فإن نشأ عن طلاق السفيه آثار مالية كالمهر فهي تبع لا أصل، والله أعلم (١).

(هـ) طلاق المريض (طلاق الفرار) (٢):

إذا طلَّق المريض -مرض الموت- زوجته المدخول بها في مرضه بغير طلب منها أو رضا طلاقًا بائنًا، ثم مات وهي في عدتها من طلاقة هذا، فهل يقع طلاقه أم لا؟ وهل ترثه المطلقة أم لا؟ ليس في هذه المسألة نصٌ من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا اختلف أهل العلم في ذلك:

فذهب الجمهور إلى أنه يُعدُّ فارًّا من إرثها حكمًا، فترث منه رغم وقوع الطلاق عليها (!!) عملًا بسدِّ الذريعة لقطع حظها من الميراث ومعاملة له بنقيض قصده، وهؤلاء إنما استأنسوا بفتوى عمر وعثمان رضي الله عنهما.

ثم انقسم هؤلاء ثلاث فرق:

١ - فقالت طائفة: ترث ما دامت في العدة لأن العدَّة عندهم من بعض أحكام الزوجية، وكأنهم شبَّهوها بالمطلقة الرجعية، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري.


(١) «ابن عابدين» (٣/ ٢٣٨)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٧٩)، و «الدسوقي» (٢/ ٣٦٥).
(٢) «ابن عابدين» (٢/ ٤١٨)، و «فتح القدير» (٤/ ١٤٦ - وما بعدها)، و «الدسوقي» (٢/ ٣٥٢)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٣٩)، و «المدونة» (٢/ ١٣٢)، و «الأم» (٣/ ٢٥٤)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٩٣)، و «المغني» (٦/ ٣٢٩)، و «المحلي» (١٠/ ٢١٨ - وما بعدها) وفيه بحث نفيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>