للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تظن أنه لم يراجعها - وحينئذٍ لو أثبت الزوج الرَّجعة بالبيِّنة فإنه يثبت زواجه الأول بمراجعتها، ويُفسخ زواجها الثاني وتعتد منه إن كان دخل بها ثم تعود للأول (١).

وتكون هي عاصية بترك سؤال الزوج، ويكون هو مُسيئًا بترك إعلامها بالرجعة.

ومع هذا لو لم يُعلمها صحت الرجعة؛ لأنها استدامة النكاح القائم وليست بإنشاء، فكان الزوج متصرفًا في خالص حقه، فلم يتوقف تصرُّفه على علم الغير.

وذهب الظاهرية إلى وجوب إعلام الزوجة بالرجعة، فإن لم يعلمها لم يعتبر مراجًعا، لقوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} (٢) فالرجعة هي الإمساك، ولا تكون - بنص كلام الله تعالى - إلا بمعروف، ومن المعروف إعلامها، فإن لم يعلمها لم يمسك بمعروف ولكن بمنكر.

ولقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا} (٣) وإنما يكون البعل أحق بردها إن أرادوا إصلاحًا بنص القرآن، فإن كتمها الردَّ أو ردَّ بحيث لا يُبلغها، فلم يرد إصلاحًا بلا شك، بل أراد الفساد فليس ردًّا ولا رجعة أصلًا.

قلت: وهذا هو الأرجح - في نظري - والأليق بمقاصد الشريعة وأصولها، وهو قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -، فقد روي ابن حزم بسنده إلى عمر أنه قال - في امرأة طلقها زوجها فأعلمها ثم راجعها ولم يُعلمها حتى انقضت عدتها: «قد بانت منه» (٤).

ويترتب عليه أن الرجل إذا أرجع زوجته دون إعلامها فتزوجت غيره بعد انتهاء عدتها، فإن الزواج الثاني يكون صحيحًا؛ لأن الرجعة لم تقع أصلًا، والله أعلم.

هل تتزيَّن المطلقة الرجعية لزوجها، وماذا يرى منها؟ (٥)

ذهب الشافعية والمالكية - في المشهور - إلى أنه لا يجوز للمطلَّقة طلاقًا رجعيًّا


(١) هذا عند الجمهور، وعند مالك: أنه إن دخل بها الثاني فهي امرأته ويبطل نكاح الأول وهو رواية عن أحمد.
(٢) سورة الطلاق: ٢.
(٣) سورة البقرة: ٢٢٨.
(٤) وثبت خلافه عن علي بن أبي طالب حيث قال فيمن طلق امرأته وأشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك: «هي امرأة الأول، دخل بها الآخر أم لم يدخل». أخرجه الشافعي كما في مسنده (٢/ رقم ١٢٦ - شفاء العي) ومن طريقه البيهقي (٧/ ٣٧٣) وسنده صحيح.
(٥) «المبسوط» (٦/ ٢٥)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٣٣٧)، و «روضة الطالبين» (٨/ ٢٢١)، و «جامع أحكام النساء» (٤/ ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>