للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - ولأن القرء مشتق من الجمع، فيقال: قرأت كذا في كذا إذا جمعته فيه، وإذا كان الأمر كذلك: كان بالطهر أحق من الحيض؛ لأن الطهر اجتماع الدم في الرحم والحيض خروجه منه، وما وافق الاشتقاق كان اعتباره أولى من مخالفته.

القول الثاني: أن القُرء هو الحيضة:

وهو قول أكابر الصحابة، منهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود ومعاذ وغيرهم، وطائفة من التابعين وأئمة الحديث، وهو مذهب أبي حنيفة وإسحاق وأحمد في الرواية الأخرى وهي التي استقر عليها مذهبه، وحجتهم:

١ - أن قوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (١). فيه الأمر بالاعتداد بثلاثة قروء، ولو حمل القُرء على الطهر لكان الاعتداد بطهرين وبعض الثالث، لأن بقية الطهر الذي صادفه الطلاق محسوب من الأقراء - عند أصحاب القول الأول - والثلاثة اسم لعدد مخصوص فلا يقع على ما دونه، فيكون ترك العمل بالكتاب.

أما لو حمل على الحيض، فيكون الاعتداد بثلاث حيضات كوامل لأن ما بقي من الطهر غير محسوب من العدة، فكان الحمل على الحيض أولى لموافقة ظاهر القرآن.

٢ - أن لفظ القرء لم يستعمل في لسان الشرع إلا للحيض، ولم يجيء في موضع واحد منه استعماله للطهر فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى بل متعين:

- فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال للمستحاضة: «تدع الصلاة أيام أقرائها» (٢).

وقال لفاطمة بنت جيش: «انظري إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مرَّ قرؤك فتطهري ثم صلي بين القرء إلى القرء» (٣) قالوا: فالقرء هنا الحيض بلا شك.

٣ - قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} (٤). فجعل كل شهر بإزاء حيضة، وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر من الحيض.


(١) سورة البقرة: ٢٢٨.
(٢) حسن بطرقه: أخرجه أبو داود (٢٩٧)، والترمذي (١٢٦)، وابن ماجة (٦٢٥)، والدارقطني (١/ ٢٠٨)، وله طرق قد يحسَّن بمجموعها والله أعلم.
(٣) إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وأصله في البخاري بدون لفظ القُرء.
(٤) سورة الطلاق: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>