للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنكرت عائشة قول فاطمة هذا: وأخبرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أرخص لها في ترك السكنى لكونها كانت في مكان وَحْش فخيف على حياتها (١).

والجواب عن هذه المطاعن أن يقال (٢):

١ - أن كون الراوي امرأة ليس بمطعن بلا شك، والعلماء قاطبة على خلافه من الاحتجاج برواية النساء كالرجال، وهي قد حفظتْ الحكم لاسيما والقصة وقعت معها، حتى أنها ناظرت من خالفها على كتاب الله كما سيأتي.

- ثم إن الطعن في روايتها بأنها مخالفة للقرآن يجاب عنه بأنه على فرض أن روايتها مخالفة للقرآن فهي مخالفة لعمومه، فتكون تخصيصًا للعام، فحكمها حكم تخصيص قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء

ذلكم} (٣). بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو أختها أو خالتها، فإن القرآن لم يخصَّ البائن بأنها لا تخرج ولا تُخرج، وبأنها تسكن من حيث يسكن زوجها بل إما أن يعمها ويعمَّ الرجعية - فيكون مخصصًا برواية فاطمة - وإما أن يكون مختصًّا بالرجعية، وهو الصواب للسياق لمن تدبَّره:

فإن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وأَحْصُوا العِدَّةَ واتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١) فَإذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (٢) ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (٤). فذكر سبحانه لهؤلاء المطلقات أحكامًا متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض متعلقة بمن لهم عند بلوغ الأجل (العدة) الإمساك والتسريح وقال: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا}. والمراد به الرجعة، كما قالت فاطمة بنت قيس نفسها عندما أنكر عليها مروان حديثها: «بيني وبينكم القرآن: قال الله عز وجل: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}. إلى قوله: {لا تدري لعل الله


(١) صحيح: أخرجه البخاري.
(٢) «زاد المعاد» (٥/ ٥٢٦ - ٥٤٢) بتصرف واختصار.
(٣) سورة النساء: ٢٤.
(٤) سورة الطلاق: ١ - ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>