للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣] التفريق بين المتلاعنَيْن:

لحديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: «لاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجل وامرأة من الأنصار، وفرَّق بينهما» (١).

وهنا مسألتان:

الأولى: متى تقع الفرقة بينهما؟ (٢) هل تقع بمجرد القذف؟ أم بلعان الزوج وحده؟ أم تقع بلعنهما جميعًا؟ أم بلعانهما وتفريق القاضي؟

والجواب: أما وقوع الفرقة بمجرد القذف فهو قول شاذ لأبي عبيد خالفه معه الجماهير من أهل العلم، وأما وقوعها بلعن الزوج وحده: فمما تفردَّ به الشافعي - رحمه الله - واحتج له بأنها فرقة حاصلة بالقول، فحصلت بقول الزوج وحده كالطلاق!! وهو ضعيف: «لأن الشرع إنما ورد بالتفريق بين المتلاعنين، ولا يكونان متلاعنين بلعان أحدهما فقط، وإنما فرَّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما بعد تمام اللعان منهما، فالقول بوقوع الفرقة قبله تحكُّم يخالف مدلول السنة النبوية، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن لفظ اللعان لا يقتضي فرقة فإنه: إما إيمان على زناها أو شهادة على ذلك، ولولا ورود الشرع بالتفريق بينهما لم يحصل التفريق، وإنما ورد الشرع به بعد لعانها فلا يجوز تعليقه على بعضه» (٣).

فعُلم أن الفرقة لا تقع إلا بلعان الزوجين، لكن يبقى الخلاف: هل تحصل الفرقة بمجرد لعانهما أو لابد أن يفرِّق القاضي؟

(أ) فذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين والظاهرية - ونسبه النووي للجمهور - إلى أنه إذا تمَّ لعان الزوجين وقعت الفرقة، ولا يُعتبر تفريق الحاكم واستدلوا بما يلي:

١ - حديث ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال للمتلاعنين: «حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها» قال: مالي، قال: «لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما

استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك» (٤) قالوا: فقوله (لا سبيل لك عليها) يدل على حصول الفرقة بمجرد اللعان، لأنها نكرة في سياق النفي فأفادت العموم، والعبرة بعموم اللفظ.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٥٣١٤)، ومسلم (١٤٩٤).
(٢) «البدائع» (٣/ ٢٤٤)، و «الشرح الصغير» (١/ ٤٩٦)، و «مغنى المحتاج» (٣/ ٣٨٠)، و «المغنى» (٧/ ٤١١)، «المحلى» (١٠/ ١٤٤)، و «زاد المعاد» (٥/ ٣٨٨ - وما بعدها).
(٣) «المغنى» (٧/ ٤١١).
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (١/ ٥٣١١)، ومسلم (١٤٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>