للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ففي الحالات الثلاث الأخيرة، للعلماء قولان (١):

الأول: لا توارث بينهم: وهو مذهب الجمهور: أبي حنيفة ومالك والشافعي، واتفق عليه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم -، ووجه هذا القول: أن سبب استحقاق كل منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينًا، والاستحقاق ينبني على السبب، فما لم يتيقن السبب لا يثبت الاستحقاق.

الثاني: أن يرث كل واحد منهم الآخر إلا فيما ورثه من صاحبه: بمعنى أنه يرثه في ماله القديم وأما المال الذي ورثه من صاحبه - الذي مات معه - فلا يقسم إلا على الورثة الأحياء لكل واحد.

وهو مذهب أحمد - عند تنازع الورثة واختلافهم - وهو مروي عن عليٍّ وابن مسعود.

ووجه هذا القول: أن سبب استحقاق كل واحد منهم ميراث صاحبه معلوم، وهو حياته، وسبب الحرمان مشكوك فيه، فيجب التمسك بحياته حتى يأتي بيقين آخر، وسبب الحرمات موته قبل موت صاحبه مشكوك فيه، فلا يثبت الحرمان بالشك إلا فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه لأجل الضرورة، والله أعلم بالصواب.

ميراث ولد الزنى (٢):

يثبت نسب ولد الزنى من أمه، ويرث من جهتها، لأن صلته بها حقيقة مادية لا شك فيها، أما نسبه إلى الزاني، فقال الجمهور: لا يثبت - ولا يتوارثان - ولو أقرَّ ببنوَّته له من الزنى، لأن النسب نعمة، فلا يترتب على الزنى - الذي هو جريمة - فإذا لم يُصرِّح بأنه ابنه من الزنى، وكانت أم الولد غير متزوِّجة، وتحققت شروط الإقرار ثبت نسبه منه، حملًا على الصلاح وعملًا بالظاهر، وإذا مات أحدهما ورثه الآخر.

وذهب إسحاق وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما إلى ثبوت نسب ولد الزنى من الزاني بغير صاحبة فراش الزوجية، لأن زناه حقيقة ثابتة، فكما ثبت نسبه من الأم يثبت نسبه من الزاني، كي لا يضيع نسب الولد، ويصيبه الضرر والعار بسبب جريمة لم يرتكبها والله تعالى يقول: {ولا تزر وازرة ورز أخرى} (٣).

ومقتضى هذا القول أن يثبت التوارث بينهما، لأن التوارث فرع ثبوت النسب.


(١) «المبسوط» (٣٠/ ٢٧ - ٢٨) ط. المعرفة.
(٢) «تبيين الحقائق» (٦/ ٢٤١)، و «الموسوعة الفقهية» (٣/ ٧٠).
(٣) سورة فاطر: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>