للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: ويؤيد هذا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب» (١).

وعن صفوان بن أمية قال: «كنتُ نائمًا في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين درهمًا، فجاء رجل فاختلسها مني، فأخذ الرجل، فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به ليقطع، قال: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا؟ أنا أبيعه، وأنسئه ثمنها، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به»؟ (٢).

من يقيم الحدود (٣):

إن أمر الحدود موكول إلى الحاكم المسلم أو من ينوب عنه، وليس لأفراد الناس إقامة الحدود على من ارتكبوا أسبابها، وقد خاطب الله تعالى المؤمنين بإقامة الحدود خطابًا مطلقًا، لكن قد عُلم أن المخاطب بالفعل لابد أن يكون قادرًا عليه، والعاجزون لا يجب عليهم، والقدرة هي السلطان، فلهذا وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونُوَّابه، ولأنه لم يُقم حدٌّ على حُرٍّ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأنه حق الله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن في استيفائه الحيف، فلم يجز بغير إذن الإمام.

وقد أناب النبي - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الحدود، فقال لأنيس: «واغْدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» (٤).

فائدة: الحدود لا تسلم إلى السلطان إذا كان مُضيِّعًا لها أو عاجزًا عنها (٥).

وهل يقيم الرجل الحدَّ على أَمَته أو عبده؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة، وأكثر أهل العلم - خلافًا لأبي حنيفة!! - على أنه يجوز للسيد إقامة الحد على مملوكه دون السلطان، لحديث أبي هريرة قال:


(١) حسن بشواهده: أخرجه أبو داود (٤٣٧٦)، والنسائي (٨/ ٧٠)، والبيهقي (٨/ ٣٣١)، والحاكم (٤/ ٤٢٤) وإسناده حسن لولا خشية تدليس ابن جريج، وله شواهد يحسن بها.
(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٤٣٩٤)، والنسائي (٨/ ٦٩)، والحاكم (٤/ ٣٨٠)، والبيهقي (٨/ ٢٦٥)، وانظر «الإرواء» (٢٣١٧).
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٢٣١٥)، ومسلم (١٦٩٨).
(٤) «فتح القدير» (٥/ ٢٣٥٩، و «الدسوقي» (٤/ ٣٢٢)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ١٠٢)، و «كشاف القناع» (٦/ ٧٨).
(٥) انظر «مجموع الفتاوى» (٣٤/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>