للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن ادعى الزاني - مثلًا - الجهل بالتحريم وكان يحتمل أن يجهلهُ كحديث العهد بالإسلام، قُبل منه؛ لأنه يجوز أن يكون صادقًا، وإن كان ممن لا يخفى عليه كالمسلم الناشئ بين المسلمين لم يُقبلْ منه؛ لأن تحريم الزنا لا يخفى على من هو كذلك.

هذا، وهناك شروط أخرى لوجوب كل حدٍّ، يأتي الكلام عليها في موضعها - إن شاء الله.

تنبيه: يشترط لإقامة الحد العلم بالتحريم وليس العلم بالعقوبة، فإن علم أن الزنا مثلًا محرَّم، لكن لم يَدْرِ أنه يُرجم، أقيم عليه الحد، بلا خلاف.

هل يقام الحد على المريض ونحوه؟ (١)

مرتكب الجريمة الحدِّية إذا كان مريضًا عند القدرة، فله حالتان:

(أ) أن يكون مرضه مما يُرجى بُرْؤه: ففيه قولان للعلماء:

الأول: يقام عليه الحدُّ ولا يؤخر، وبه قال إسحاق وأبو ثور وهو رواية عن أحمد، وحجة هذا القول:

١ - أن عمر - رضي الله عنه - أقام الحد على قدامة بن مظعون في مرضه ولم يُؤَخِّرهُ (٢)، وانتشر ذلك في الصحابة، فلم ينكروه، قالوا: فصار إجماعًا (!!).

٢ - أن الحد واجب على الإمام إقامته، فلا يؤخَّر بغير حجة.

الثاني: يؤخر الحد حتى يبرأ من عليه الحدُّ من مرضه، وهو مذهب الجماهير من الأئمة الأربعة وغيرهم، وحجتهم:

١ - عن أبي عبد الرحمن - رضي الله عنه - قال: خطب عليٌّ - رضي الله عنه - فقال: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحدَّ، من أحصن منهم، ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيتُ إن أنا جلدتُها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أحسنتَ» وزاد في رواية: «اتركها حتى تماثل» (٣).


(١) «فتح القدير» (٥/ ٢٩)، و «جواهر الإكليل» (٢/ ٢٨٦)، و «نهاية المحتاج»، و «المغني» (٨/ ١٧١) وللقصة شاهد من حديث ابن عباس عند النسائي في «الكبرى» (٥٢٨٩).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (٩/ ٢٤٠) ومن طريقه البيهقي (٨/ ٣١٥).
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٧٠٥)، وأبو داود (٤٤٧٣)، والترمذي (١٤٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>