واستجابة لداعي الرحمن. وقد أكثر اللهج برعاية حرمات الله، وأنا في هذا المقام أسوق للقارئ شذرة من كلامه المنثور والمنظوم إذ يقول:
(أما اللحظات: فهي رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورده موارد الهلكات. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتبع النظرة النظرة، إنما لك الأولى وليست لك الأخرى».
وفي المسند عنه - صلى الله عليه وسلم -: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غضّ بصره عن محاسن امرأة أورث الله قلبه حلاوة إلى يوم يلقاه» هذا معنى الحديث. وقال:«غضّوا أبصاركم واحفظوا فروجكم» وقال: «وإياكم والجلوس على الطرقات» قالوا يا رسول الله مجالسنا، ما لنا بدّ منها، قال:«غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام».
والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فالنظرة تولد خطرة ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد، ما لم يمنع منه مانع. وفي هذا قيل «الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده».
قال الشاعر:
كلّ الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر
ومن آفات النظر: أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرًا عليه ولا صابرًا عنه، وهذا من أعظم العذاب: أن ترى ما لا صبر لك عن بعضه، ولا قدرة على بعضه.
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه، ولا عن بعضه أنت صابر
وهذا البيت يحتاج إلى شرح. ومراده: أنك ترى ما لا تصبر عن شيء منه ولا تقدر عليه، فإن قوله:«لا كله أنت قادر عليه» نفي لقدرته على الكلّ الذي لا ينفى إلا بنفي القدرة عن كل واحد واحد.