للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اتفق أهل العلم على أن الحد يثبت بإقرار الزاني على نفسه، لكنهم اختلفوا في عدد مرات الإقرار الذي يلزم به الحد على قولين (١):

الأول: لا يُحدُّ حتى يُقرَّ أربع مرات، وهو مذهب أحمد وإسحاق، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه اشترط أن تكون الإقرارات في مجلس واحد (!!).

واستدلوا بحديث ماعز - رضي الله عنه - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم عليه الحد إلا بعد أن شهد على نفسه أربعًا ولو كان الإقرار مرة موجبًا للحد لما أخَّره إلا الأربع، قالوا: فإذا أقرَّ دون الأربع، لم يلزم تكميل نصاب الإقرار، بل للإمام أن يُعْرِضَ عنه، ويُعرِّض له بعدم تكميل الإقرار.

الثاني: يُكتفى بإقراره مرة واحدة، وتكراره ليس بشرط، وهو مذهب مالك والشافعي، وبه قال الحسن وحماد وأبو ثور والطبري وابن المنذر وجماعة.

قالوا: لأن الإقرار إنما صار حجة في الشرع لرجحان جانب الصدق فيه على جانب الكذب، وهذا المعنى عند التكرار والتوحيد سواء، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» (٢) فعلَّق الرجم على مجرد الاعتراف.

فائدة: يسقط الحد بالرجوع عن الإقرار، وقد مرَّ تحريره قريبًا.

من أقرَّ بأنه زنى بامرأة معينة: فلا يخلو من حالتين:

١ - فإن اعترفت المرأة، أقيم الحدُّ عليهما، لحديث أبي هريرة وزيد بن خالد: «أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر - وهو أفقههما -: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم، قال: «تكلم» قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا [والعسيف الأجير] فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فأفتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلدُ مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما والذي نفسي بيده، لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فردٌّ عليك» وجَلَد ابنه مائة وغرَّبه عامًا، وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت، فرجمها» (٣).


(١) «البدائع» (٧/ ٤٩)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٢٩٤)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ٩٥، ١٤٣)، و «المغني» (٨/ ١٩١)، و «زاد المعاد» (٥/ ٣٢).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٦٨٢٨)، ومسلم (١٦٩٨).
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٦٨٢٨)، ومسلم (١٦٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>