للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أنه يجب مع الجلد تغريب (نفي عن البلد) لمدة سنة: وهو مأثور عن الخلفاء الراشدين الأربعة، وبه قال عطاء وطاوس والثوري وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور، وهو مذهب الشافعي وأحمد وابن حزم، واستدلوا بما يلي:

١ - حديث عادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا عنِّي، خذوا عنِّي، قد جعل الله لهن سبيلًا: البكر

بالبكر جلد مائة، ونفيُ سنة ...» (١).

٢ - وفي حديث أبي هريرة وزيد بن خالد - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل الذي زنى ولدُه: «أما والذي نفسي بيده، لأقضينَّ بينكما بكتاب الله ...» وجَلَد ابنه وغرَّبه عامًا (٢).

قالوا: وهذا عام في كل بكرٍ سواء كان رجلًا أو امرأة.

الثاني: يُغرَّب الرجل دون المرأة، وهو مذهب مالك والأوزاعي، واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرةً يوم وليلة إلا مع ذي محرم» (٣) قالوا: وتغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور وتضييع لها، وإن غُرِّبت بِمَحْرمَ أفضى إلى تغريب من ليس بزان، ونفي لمن لا ذنب له.

الثالث: لا يجب التغريب مع الجلد أصلًا إلا تعزيرًا إذا رأى الحاكم، وهو قول الحسن وغيره، ورأوا أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ...» (٤) ناسخًا للتغريب!!

وردَّ ابن حزم هذا الاستدلال فقال - رحمه الله -: «هذا الخبر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر مجمل أحال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على غيره من الأخبار، فلم يذكر نفيًا ولا عددًا لجلد، فإن كان دليلًا على إسقاط

التغريب، فهو دليل أيضًا على إسقاط عدد الجلدات، وإن لم يكن دليلًا على إسقاط عدد الجلدات لأنه لم يذكر فيه، فليس أيضًا دليلًا على نسخ النفي، وإن لم يذكر فيه، والواجب ضمُّ الأخبار بعضها إلى بعض، واستعمالها جميعًا» اهـ.

قلت: الراجح أن حدَّ الزاني البكر (غير المحصن): جلد مائة جلدة ونفي سنة، سواء في ذلك الرجل والمرأة ويؤيده ما ثبت في بعض روايات حديث عبادة:


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١٦٩٠)، والترمذي (١٤٣٤)، وأبو داود (٤٤١٥).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٦٨٢٧ - ٦٨٢٨)، ومسلم (١٦٩٧ - ١٦٩٨).
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (١٠٨٨)، ومسلم (١٣٣٩) واللفظ له.
(٤) صحيح: تقدم قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>