للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: يجب إقامة الحد بالرائحة أو القيء: وهو مذهب مالك، وأحمد في الرواية الأخرى عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وحجتهم أن هذا القول هو مقتضى ما حكم به الصحابة - رضي الله عنهم - كعمر وعثمان وابن مسعود:

١ - فعن السائب ين يزيد «أنه حضر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يجلد رجلًا وجد منه ريح شراب، فجلده الحدَّ تمامًا» (١).

وأجيب: بأن هذا السياق فيه اختصار مخل، وإلا ففي رواية معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد - نفسه - قال: شهدت عمر بن الخطاب صلَّى على جنازة ثم أقبل علينا، فقال: «إني وجدت من عبيد الله ريح الشراب، وإني سألته

عنها، فزعم أنها الطلاء، وإني سائل عن الشراب الذي شرب، فإن كان مسكرًا جلدته» قال: فشهدته بعد ذلك يجلده (٢).

ومدار الأثر على السائب بن يزيد عن عمر فدلَّ على أن القصة واحدة، وعليه فإن جلد عمر لابنه عبيد الله كان لإقراره بأنه شرب الطلاء وقد علم أنه مسكر، ولم يجلده بمجرد وجود الرائحة، فلا يبقى فيه متعلق لمن أوجب الحدَّ بالرائحة، وهو واضح.

٢ - وعن حصين بن المنذر قال: «شهدا عثمان - رضي الله عنه - وأتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها ...» الأثر وقد تقدم وفيه أنه جلده (٣).

وأجيب بأنه ظاهر في أن عثمان - رضي الله عنه - لم يحدَّ الوليد بمجرد القيء للخمر، وإنما بانضمام ذلك إلى شهادة حمران بأنه شربها، ولذا لم يترجمه الأئمة الذين أخرجوه بما يفيد الحدُّ بالقيء!!

٣ - وعن علقمة قال: «كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود - رضي الله عنه - سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أُنزلت، فقال: قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أحسنت»


(١) أخرجه بهذا السياق عبد الرزاق (١٠/ ٢٢٨).
(٢) إسناده صحيح: علَّقه البخاري في «الصحيح» (١٠/ ٦٢)، ووصله الشافعي (٢٩٦)، ومالك (٢/ ١٧٨)، وعبد الرزاق (١٠/ ٢٢٨) واللفظ له.
(٣) صحيح: تقدم قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>