للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجمع أن تكذب

بكتاب الله، وتشرب الخمر، فضربه الحدَّ» (١).

وأجيب: بأن دلالته غير مسلَّم بها، لاحتمال أن يكون الرجل اعترف بشرب الخمر بلا عذر، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.

ولذا فإن البخاري - رحمه الله - ذكر هذا الأثر في (كتاب فضائل القرآن) ولم يترجم واقعة الخمر منه في كتاب الحدود، مع دقة فهمه وقوة استنباطه - رحمه الله - (!!) وكذلك فعل الإمام مسلم حين ذكره في زمرة أحاديث فضائل القرآن، وترجم له النووي (باب: فضل استماع القرآن) (٢).

٤ - أن الحكم بحد الشارب بالقرينة الظاهرة عليه اتفاق الصحابة، إذ لا يُعرف لعمر وابن مسعود في حكميهما السابقين مخالف من الصحابة!!

وأجيب بأنه قد وقع عند الإسماعيلي النقل عن عليٍّ أنه أنكر على ابن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها إذ لم يشهد عليه، ذكره الحافظ في الفتح (٣).

الثالث: أن الحد بالرائحة لا يجب إلا بضميمة قرنية إليه تنفي الشبهة فيحذر حينئذ: وبه قال جماعة من السلف منهم عمر - رضي الله عنه - وابن الزبير - رضي الله عنه -، وعطاء، وإليه مال ابن قدامة - رحمهم الله تعالى - وهو اختيار العلامة بكر أبو زيد أمتع الله بحياته ونفع بعلمه.

قلت: ولعلَّ هذا الأخير هو الأقرب، الذي تلتئم به الأدلة ويجتمع شملها،

وعليه فإن الحدَّ بالرائحة والقيء يكون في الصور الآتية (٤):

(أ) أن يكون من وجدت منه الرائحة مشهورًا بإدمان شرب الخمر، وبها قال عمر - رضي الله عنه - (٥).

(ب) أن يوجد جماعة الفساق على شراب فيكون في بعضهم سُكر، والبعض تنبعث الرائحة من فمه، فيحدُّ الجميع، وبها قال عمر بن عبد العزيز وعطاء (٦).

(جـ) أن يوجد مع الرائحة عوارض السُّكر والتقيؤ، كما ذكر ابن قدامة.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٥٠٠١)، ومسلم (٣٥٨٠) واللفظ للبخاري.
(٢) أفاده العلامة بكر أبو زيد - حفظه الله - في «الحدود والتعزيرات عند ابن القيم» (ص ٣٣٦).
(٣) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٥٠).
(٤) «الحدود والتعزيرات» (ص: ٣٤٠ - ٣٤١).
(٥) انظر «مصنف عبد الرزاق» (١٠/ ٢٢٨).
(٦) انظر «مسند الشافعي» (٢٩٨)، و «مصنف عبد الرزاق» (١٧٠٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>