للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالمعروف» (١) قالوا: فأطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدها على مال زوجها تأخذ ما يكفيها وولدها فهي مؤتمنة عليه كالمستودع، بخلاف الزوج فقد قال تعالى: {وأتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} (٢).

الثالث: يجب الحدُّ على السارق منهما لمال الآخر: وهو مذهب المالكية والراجح عند الشافعية والرواية الأخرى عند الحنابلة، وبه قال ابن حزم، لعموم آية السرقة، ولأن الحرز هنا تام، وربما لا يبسط أحدهما للآخر في ماله، فأشبه سرقة الأجنبي، وأما استدلال الأولين بحديث «كلكم راع ...» فقد أجاب عنه ابن حزم - رحمه الله - فقال: وهو أعظم حجة عليهم لأنه - عليه السلام - أخبر أن كل من ذكرنا راع فيما ذكر وأنهم مسئولون عما استُرعوا من ذلك، فإذ هم مسئولون عن ذلك، فبيقين يدري كل مسلم أنه لم تبح لهم السرقة والخيانة فيما استودعوه، وأسلم إليهم، وأنهم في ذلك إن لم يكونوا كالأجنبيين والأباعد، ومن لم يسترع، فهم بلا شك أشد إثمًا وأعظم جرمًا وأسوأ حالة من الأجنبيين ... فأقل أمورهم أن يكون عليهم ما على الأجنبيين ولابد ... وأما قولهم: إن كليهما كالمودع وكالمأذون له في الدخول، فأعظم حجة عليهم؛ لأنهم لا يختلفون أن المودع إذا سرق مما لم يودع عنده - لكن من مال لمودع آخر في حرزه - وأن المأذون له في الدخول لو سرق من مال محرز عنه للمدخول عليه الإذن له في الدخول لوجب القطع عليهما عندهم بلا خلاف، فيلزمهم بهذا التشبيه البديع بالضد أن لا يسقطوا القطع عن الزوجين فيما

سرق أحدهما من الآخر إلا فيما أؤتمن عليه ولم يحرر منه ... اهـ (٣).

وأما استدلال من فرق بين سرقة الزوج وسرقة الزوجة بحديث هند بنت عتبة، فالجواب:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يطلق يدها على ما لا حق لها فيه من مال زوجها ولا على أكثر من حقها، فلها ما أخذت بالحق، وعليها ما افترض الله تعالى من القطع فيما أخذت بوجه السرقة (٤).

قلت: والذي يظهر أن لا يُطرد حكم واحد، بل في كل قضية بما يناسبها على نحو ما ذكرته في سرقة الابن من مال والده، والله أعلم.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٥٣٦٤)، ومسلم (١٧١٤).
(٢) سورة النساء: ٢٠.
(٣) «المحلي» (١١/ ٣٤٨).
(٤) «المحلي» (١١/ ٣٤٩) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>