للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي قصة غلمة حاطب بن أبي بلتعة حين سرقوا ناقة رجل من مزينة وأتى

بهم إلى عمر معترفين: «ثم قال عمر: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونها وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حلَّ له لقطعت أيديهم، وأيم الله إذ لم أفعل لأغرمنَّك غرامة توجعك (يعني: عبد الرحمن بن حاطب) ثم قال: يا مزني، بكم أريد منك ناقتك؟ قال: بأربع مائة، قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة» (١).

وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - (٢):

«وإسقاط القطع عن السارق في عام المجاعة هو محض القياس، ومقتضى قواعد الشريعة، فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعو إلى ما يسدُّ به رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجانًا، على الخلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجانًا، لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج.

وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج، وهي أقوى من كثير من الشُّبَه التي يذكرها كثير من الفقهاء ... لاسيما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه، وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميَّز المستغنى منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه فَدُرئ، نعم إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مستغنٍ عن السرقة قطع» اهـ.

(جـ) شبهة: قول السارق: هذا ملكي (٣):

هذه من الشبهة التي يقررها جماعة من العلماء منهم الشافعية والحنابلة، ويسميه الشافعي: السارق الظريف.

وابن القيم - رحمه الله تعالى - يندد بذلك ويبطل هذه الشبهة ويرى أنها من الحيل المحرمة لإبطال حد السرقة فيقول:


(١) إسناده منقطع: أخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ١٢٣)، وعنه الشافعي (٢٦٧).
(٢) «إعلام الموقعين» (٣/ ٢٣).
(٣) «نهاية المحتاج» (٧/ ٤٢٢)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٤٣)، و «إعلام الموقعين» (٣/ ٢٥٧)، و «الحدود والتعزيرات» (ص ٣٧٦ - ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>