(الحيلة على إسقاط حد السرقة بقول السارق: هذا ملكي وهذه داري وصاحبها عبدي - من الحيل التي هي إلى المضحكة والسخرية والاستهزاء بها أقرب منها إلى الشرع. ونحن نقول: معاذ الله أن يجعل في فِطَر الناس وعقولهم قبول مثل هذا الهذيان البارد المناقض للعقول والمصالح، فضلًا عن أن يشرع لهم قبوله.
وكيف يظن بالله وشرعه ظن السوء: أنه شرع رد الحق بالباطل الذي يقطع كل أحد ببطلانه. وبالبهتان الذي يجزم كل حاضر ببهتانه. ومتى كان البهتان والوقاحة والمجاهرة بالزور والكذب مقبولًا في دين من الأديان أو شريعة من الشرائع أو سياسة أحد من الناس؟. ومن له مسكة من عقل وإن بلى بالسرقة فإنه لا يرضى لنفسه بدعوى هذا البهت والزور. وبالله وياللعقول! أيعجز سارق قط عن التكلم بهذا البهتان ويتخلص من قطع اليد. فما معنى شرع قطع يد السارق ثم إسقاطه بهذا الزور والبهتان).
وقال أيضًا في معرض بيانه لبطلان الحيل:
(ويالله العجب كيف يسقط القطع عمن اعتاد سرقة أموال الناس، وكلما أمسك معه المال المسروق قال: هذا ملكي. والدار التي دخلتها داري. والرجل الذي دخلت داره عبدي؟ قال أرباب الحيل: فيسقط عنه الحد بدعوى ذلك.
فهل تأتي بهذا سياسة قط جائرة أو عادلة. فضلًا عن شريعة نبي من الأنبياء؟ فضلًا عن الشريعة التي هي أكمل شريعة طرقت العالم).
ثانيًا: شروط تعتبر في المسروق منه:
١ - أن يكون المسروق منه معلومًا ويطالب بماله (١): فيُدرأ الحدُّ عن السارق عند الجمهور - خلافًا للمالكية - إذا كان المسروق منه مجهولًا، بأن ثبتت السرقة ولم يُعرف مَن هو صاحب المال المسروق، لأن إقامة الحد تتوقف على دعوى المالك أو من في حكمه، ولا تتحقق الدعوى مع الجهالة، غير أن هذا لا يمنع من حبس السارق حتى يحضر من له حق الخصومة ويدعى ملكية المال.
فائدة:
ذهب الجمهور (أبو حنيفة والشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين وهي المذهب) إلى أنه يشترط لإقامة الحد: مطالبة المسروق منه بماله، لحديث صفوان بن أمية أنه: قدم المدينة فنام في المسجد متوسِّدًا رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه من
(١) «البدائع» (٧/ ٨١)، و «المدونة» (١٦/ ٦٨)، و «الأم» (٦/ ١٤١)، و «كشاف القناع» (٦/ ١١٨).