للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومدار هذا الخلاف هو حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثمر المعلَّق، فقال: «ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خُبْنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجَنِّ فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة» (١).

فرأى الحنفية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط القطع عن سارق الثمار من الشجرة لأنه يسرع إليه الفساد لرطوبته، وأوجبه على سارقه من الجرين ليبسه بحيث لا يتسارع إليه الفساد، فجعلوه أصلًا في كل ما نقصت ماليته بإسراع الفساد إليه.

وأما الجمهور فمدار التعليل عندهم على الحرز المكاني لا على اليبس والرطوبة، وهو الصحيح ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - أسقط القطع عن سارق الشاة من مرعاها، وأوجبه على سارقها من عطنها فإنه حرزها، ففي رواية النسائي لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: في كم تقطع اليد؟ قال: «لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت

في ثمن المجن» (٢).

(ز) هل يقطع سارق المصحف؟ (٣)

ذهب أبو حنيفة وأصحابه - وهو المذهب عند الحنابلة - إلى أن سارق المصحف لا يقطع، لأن له فيه حق التعليم؛ لأنه ليس له منعه عمن احتاج إليه.

وذهب مالك والشافعي وبعض الحنابلة وأبو يوسف من الحنفية، والظاهرية إلى أنه يقطع إذا بلغت قيمته نصابًا؛ لأن الناس يعدونه من نفائس الأموال، وردَّ ابن حزم على شبهة الحنفية بأن حق التعليم في التلقين فقط لا في المصحف إذ لم يوجبه قرآن ولا سنة ولا إجماع وإنما فرض على الناس تعليم بعضهم بعضًا القرآن تدريسًا وتحفيظًا وهكذا كان جميع الصحابة - رضي الله عنهم - في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلا خلاف من أحد أنه لم يكن هناك مصحف ... ، فبطل قولهم: إن للسارق حقًّا في المصحف، وصحَّ أن لصاحب المصحف منعه من كل أحد إذ لا ضرورة بأحد


(١) حسن: أخرجه أبو داود (٤٣٩٠)، والترمذي (١٢٨٩)، والنسائي (٨/ ٨٥).
(٢) حسن: أخرجه النسائي (٨/ ٧٨).
(٣) «البدائع» (٧/ ٦٨)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٧٣)، و «المغني» (١٠/ ٢٤٩)، و «المحلي» (١١/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>