للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وناقش أصحاب هذا القول هذه الأوجه:

(أ) فقال ابن القيم: «وأما قولهم: إن ذكر جحد العارية للتعريف، لا أنه المؤثر، فكلام في غاية الفساد لو صح مثله - وحاشا وكلا - لذهب من أيدينا عامة الأحكام المترتبة على الأوصاف، وهذه طريقة لا يرتضيها أئمة العلم، ولا يردون بمثلها السنن، وإنما يسلكها بعض المقلدين من الاتباع» ثم بيَّن أن لفظ ابن عمر يبطل هذا القول، فقال: ويقويه أن لفظ الحديث وترتيبه في إحدى الروايتين القطع على السرقة، وفي الأخرى على الجحد - على حد سواء، وترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعَلَمية، فكل من الروايتين دلَّ على أن علة القطع كل من السرقة وجحد العارية على انفراده، ويؤيد ذلك أن سياق حديث ابن عمر ليس فيه ذكر للسرقة ولا للشفاعة من أسامة، وفيه التصريح بأنها قطعت في ذلك. اهـ (١).

ثم أجاب هو وغيره (٢) عن استدلال الجمهور بقوله - صلى الله عليه وسلم - في آخره «لو أن فاطمة سرقت» بأنه لا ينافي ذم جحد العارية، بل هو دليل على إدخال النبي - صلى الله عليه وسلم - جاحد العارية في اسم السارق - كإدخال

سائر المسكرات في اسم الخمر - وذلك تعريف للأمة بمراد الله من كلامه، فيكون جاحد العارية - إن لم يسمَّ سارقًا لغةً - فهو سارق شرعًا، والشرع مقدَّم على اللغة.

(ب) وأما قياسهم جاحد العارية على جاحد الوديعة بجامع الخيانة في كل منهما، فينتج أنه لا قطع عليه، فاعترض ابن القيم بأنه قياس مع الفارق، إذ إن جاحد العارية لا يمكن الاحتراز منه، بخلاق جاحد الوديعة، فإن صاحب المتاع فرَّط حيث ائتمنه، فهو إنما يفعل ذلك عند عدم احتراز المال، وتعقَّبه الحافظ بقوله: وهي مناسبة لا تقوم بمجردها حجة إذا ثبت حديث جابر - رضي الله عنه - «ليس على خائن ... قطع» اهـ.

(جـ) وناقش ابن حزم كلام الجمهور من وجه آخر فقال: «هَبْكَ أنها امرأة واحدة وقصة واحدة، فلا حجة فيها لأن ذكر السرقة إنما هو من لفظ بعض الرواة لا من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك ذكر الاستعارة. إنما لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتها» فهذا يخرج على وجهين - يعني ذكر السرقة (٣) -:


(١) «تهذيب السنن» (٦/ ٢١١)، و «فتح الباري» (١٢/ ٩٤).
(٢) انظر ما سبق، مع «زاد المعاد» (٥/ ٥٠)، و «الروضة الندية» (٢/ ٢٨١).
(٣) يعني في قول الراوي: «في المخزومية التي سرقت».

<<  <  ج: ص:  >  >>