للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: أن يكون الراوي يرى أن الاستعارة سرقة فيخبر عنها بلفظ السرقة.

والوجه الآخر: هو أن الاستعارة ثم الجحد سرقة صحيحة لا مجازًا؛ لأن المستعير إذا أتي على لسان غيره، فإنه مستخف بأخذ ما أخذ من مال غيره، يورِّى

بالاستعارة لنفسه أو لغيره ثم يملكه مستترًا مختفيًا، فهذه هي السرقة نفسها دون تكلُّف فكان هذا اللفظ خارجًا عما ذكرنا أحسن خروج، وكان لفظ العارية لا يحتمل وجهًا آخر أصلًا». اهـ.

٢ - ومما استدل به الجمهور على عدم القطع لجاحد العارية: أن الحرز غير متوفِّر في العارية، إذ المعير قد سلَّط المستعير على ماله وجعله تحت يده، وهذا بخلاف السرقة من حرز فافترقا.

قلت: نعم، لولا أن النص ثابت في قطع المخزومية بجحد العارية على ما بيَّنه مناقشو الجمهور. وعليه فالذي يظهر لي أن جاحد العاريَّة يقطع، وأما حديث «ليس على خائن قطع» (١) فلو ثبت - وفيه كلام - فيخرج من عمومه جاحد العارية إما بالنصِّ، وإما باعتبار الفارق الذي ذكره ابن القيم، والله أعلم.

وأما خائن الأمانة: فالذي يظهر أنه قد أطبق الفقهاء - ومعهم ابن القيم - خلافًا لابن حزم على أنه لا يُقطع؛ لحديث جابر «ليس على خائن قطع» (٢) ولعدم توفر الحرز.

وأما ابن حزم فإنه يضعِّف حديث جابر، ولا يعتبر الحرز شرطًا لإقامة الحدِّ أصلًا، والله تعالى أعلم بالصواب.

المسألة الثانية: هل يُقطع النبَّاش؟ (٣)

النبَّاش: هو الذي يسرق أكفان الموتى بعد دفنهم في قبورهم.

وقد اختلف أهل العلم في حكمه وفي اعتباره سارقًا، فذهب الجمهور منهم المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف - من الحنفية - وابن حزم إلى أن النباش سارق، لانطباق حدِّ السرقة عليه، فيقطع.

وذهب أبو حنيفة ومحمد والأوزاعي والثوري، إلى أنه لا يعتبر سارقًا؛ لأنه يأخذ ما لا مالك له، وليس مرغوبًا فيه، وأخذه من غير حرز، فيعزَّر ولا يقطع.


(١)، (٢) صححه الألباني: وسيأتي تخريجه قريبًا.
(٢) «المبسوط» (٩/ ١٥٦)، و «فتح القدير» (٥/ ٣٧٤)، و «الدسوقي» (٤/ ٣٤٠)، و «تكملة المجموع» (١٨/ ٣٢١)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٣٨)، و «المحلي» (١١/ ٣٢٩).
(٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>