للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: والصواب قول الجمهور من اعتبار النباش سارقًا؛ لأنه يأخذ ما لا حق له في أخذه خفية من حرزه - وهو القبر - لكن يلزم الجمهور - إلا ابن حزم (١) - أن لا يقطعوه إلا إذا كانت قيمة الكفن نصابًا، ولا أظنه يبلغه، والله أعلم.

رابعًا: شروط تعتبر في طريقة أخذ المسروق:

١ - أن يأخذ السارق المال بعد هتك الحرز (٢):

لا يعتبر مجرد الأخذ سرقة عند جمهور الفقهاء، إلا إذا نتج عن هتك الحرز، كأن يفتح السارق أغلاله ويدخل، أو يكسر بابه أو شباكه، أو ينقب في سطحه أو جداره، أو يدخل يده في الجيب لأخذ ما به، أو يأخذ ثوبًا توسَّده شخص نائم، أو نحو ذلك؛ ولا يشترط عند الجمهور - خلافًا للحنفية - دخول السارق الحرز

لتحقيق الأخذ وهتك الحرز، فدخول الحرز ليس مقصودًا لذاته، بل لأخذ المال، فإذا تحقق المقصود بمد اليد داخل الحرز وإخراج المال، كان ذلك كافيًا في هتك الحرز وأخذ المال.

ويؤيده ما في حديث جابر مرفوعًا: «... حتى رأيت فيها صاحب المحجن يجرُّ قصبه في النار، وكان يسرق الحاج بمحجنه، فإذا فُطن له قال: إنما تعلَّق بمحجني؛ وإن غفل عنه ذهب به» (٣).

٢ - أن يأخذ المال خُفية:

يشترط الفقهاء لإقامة حد السرقة أن يؤخذ الشيء خفية واستتارًا، بأن يكون ذلك دون علم المأخوذ منه ودون رضاه، وقد نقل ابن حزم إجماع الأمة على أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي. اهـ.

فإن أخذه على سبيل المجاهرة سُمِّي: مغالبة أو نهبًا أو خلسة أو اغتصابًا أو انتهابًا، لا سرقة.

وإن حدث الأخذ دون علم المالك أو من يقوم مقامه ثم رضي فلا سرقة (٤).


(١) لأن ابن حزم لا يشترط للحد - في المسروق من غير الذهب - أن يبلغ نصابًا، كما تقدم.
(٢) «البدائع» (٧/ ٦٦)، و «فتح القدير» (٤/ ٢٤٥)، و «مواهب الجليل» (٦/ ٣١٠)، و «المهذب» (٢/ ٢٩٧)، و «المغني» (١٠/ ٢٥٩).
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٩٠٤)، وأحمد (٦٤٤٧).
(٤) «البدائع» (٧/ ٦٤)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٤٣٦)، و «قليوبي وعميرة» (٤/ ١٨٦)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٣٦٢)، و «المحلي» (١١/ ٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>