للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا بقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} (١). وهؤلاء تقبل توبتهم قبل القدرة وبعدها، ولقوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} (٢)، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام يجب ما كان قبله» (٣).

وأما الذمي فقد التزم أحكام الشريعة فله ما لنا وعليه ما علينا.

وذهب ابن حزم إلى أن المحارب إنما هو المسلم العاصي أو المسلم يرتد فيحارب فعليه أحكام المحارب كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين، فليس للذمي - الذي نقض عهده - لأن له عقوبة في الشرع تختلف عن عقوبة المحارب.

وذهب طائفة من العلماء - منهم البخاري والحسن وعطاء والضحاك والزهري - إلى أن آية الحرابة نزلت في أهل الكفر والردَّة، وساق البخاري عقبها

حديث أنس في قصة العرنيين، وفيه «... فارتدوا، فقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل، فبعث - صلى الله عليه وسلم - في آثارهم فأتى بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا (٤).

٣ - الذكورة (٥):

اشترط الحنفية في المحارب الذكورة، فلا تحدُّ - عندهم - المرأة وإن وليت القتال وأخذ المال، لأن ركن المحاربة - وهو الخروج والمغالبة - لا يتحقق من المرأة عادة فلا تكون من أهل الحرابة (!!).

وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا يشترط في المحارب الذكورة، فلو اجتمع نسوة لهن قوة ومنعة فهن قاطعات طريق، ولا تأثير للأنوثة على الحرابة، ولأنها تحدُّ في السرقة ويلزمها القصاص كالرجل، فكذلك في قطع الطريق، ولا فرق.

قلت: وهذا هو الصحيح لعدم الدليل على اعتبار الذكورة والأصل أن «النساء شقائق الرجال» (٦).


(١) سورة المائدة: ٣٤.
(٢) سورة الأنفال: ٣٨.
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٢١)، وأحمد (٤/ ١٩٩).
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (٦٨٠٢)، ومسلم (١٦٧١).
(٥) «البدائع» (٧/ ٩١)، و «شرح الزرقاني» (٨/ ١٠٩)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ١٥٥)، و «المغني» (٩/ ٢٩٨).
(٦) حسن: أخرجه أبو داود (٢٣٦)، والترمذي (١١٣)، وأحمد (٦/ ٢٥٦ - ٣٧٧) وسنده حسن لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>