للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام: «وهذا هو الصواب، بل هم في البنيان أحق بالعقوبة منهم في الصحراء، لأن البنيان محل الأمن والطمأنينة، ولأنه محل تناصر الناس وتعاونهم، فإقدامهم عليه يقتضي شدة المحاربة والمغالبة، ولأنهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله، والمسافر لا يكون معه - غالبًا - إلا بعض ماله ...» اهـ.

قلت: وهذا القول مع موافقة عموم الآية الكريمة، ومقتضى معنى الحرابة المطلق، فإنه الأردع للمجترئين على ترويع الآمنين وسلبهم أموالهم في الميادين العامة على مرأى ومسمع من الناس والسلطان، ولا مغيث!! والله أعلم.

٦ - المجاهرة (١):

اشتر ط جمهور الفقهاء في الحرابة أن يأخذ قطاع الطريق المال جهرًا، فإن أخذوه مختفين فهم سُرَّاق، وإن اختطفوا وهربوا، فهم منتهبون، ولا قطع عليهم.

وذهب مالك - وهو اختيار شيخ الإسلام - إلى أن قتل الغيلة، إذا كان على وجه التحيُّل والخديعة فهو من المحاربة، ومثاله: أن يدعو القاتل إلى منزله - مثلًا - من يستأجره لخياطة أو طب أو نحو ذلك ثم يقتله ويأخذ ماله.

قال شيخ الإسلام: «وهذا أشبه بأصول الشريعة، لأن القتل بالحيلة كالقتل

مكابرة، كلاهما لا يمكن الاحتراز منه، بل قد يكون ضرر هذا أشد، لأنه لا يدرى به» اهـ.

حكم الردء للقُطَّاع (٢):

الردء هو: المعين لقاطع الطريق بجاهه أو بتكثير السواد أو بتقديم أي عون لهم، ولم يباشر القطع بنفسه.

وقد اختلف أهل العلم في حكمه:

فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة - وهو اختيار شيخ الإسلام - إلى أن الردء المباشر في الحرابة سواء، لأنهم متمالئون، وقطع الطريق يحصل بالكل، ولأن من عادة القطاع أن يباشر البعض، ويدفع عنهم البعض الآخر، فلو لم يلحق الردء بالمباشر في سبب وجوب الحد لأدى ذلك إلى انفتاح باب قطع الطريق.


(١) المراجع السابقة، و «المنتقي» للباجي (٧/ ١١٥ - ١١٦).
(٢) «البدائع» (٧/ ٩١)، و «المبسوط» (٩/ ١٩٨)، و «الدسوقي» (٤/ ٣٥٠)، و «المهذب» (٢/ ٣٦٥)، و «المغني» (١٠/ ٣١٨ - مع الشرح)، و «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>