٣ - أن الجزاء على قدر الجناية، يزاد بزيادتها وينقص بنقصانها، بمقتضى العقل والشرع، قال تعالى:{وجزاء سيئة سيئة مثلها} فالتخيير في جزاء الجنايات القاصرة بما يشمل جزاء الجناية الكاملة، وفي الجناية الكاملة بما يشمل جزاء الجناية القاصرة خلاف المعهود في الشرع.
على أنه قد أجمعت الأمة على أن القُطاع إذا قَتلوا وأخذوا المال، لا يكون جزاؤهم المعقول: النفي وحده!! فعُلم أنه لا يمكن إجراء الآية على ظاهر التخيير.
٤ - أن التخيير الوارد بحرف التخيير إنما يجري على ظاهره إذا كان سبب الوجوب واحدًا، كما في كفارة اليمين وكفارة جزاء الصيد، أما إذا كان السبب مختلفًا فإنه يخرج التخيير عن ظاهره ويكون الغرض: بيان الحكم لكل واحد في نفسه، وقطع الطريق متنوع وبين أنواعه تفاوت في الجريمة، فكان سبب العقاب مختلفًا، فتحمل الآية على بيان حكم كل نوع.
٥ - أنه إذا لم يقتل، فلا يحلُّ قتله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيِّبُ الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»(١).
ثم اختلف هؤلاء في كيفية هذا التنويع على ثلاثة أقوال:
١ - فقال الشافعي وأحمد والصاحبان من الحنفية، وإسحاق: من قَتَلَ وأخذ
المال؛ قُتِل وصُلِب، ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ مالًا؛ نفي من الأرض، والنفي في هذه الحالة - عند الشافعية - تعزير وليس حدًّا، فيجوز - عندهم - للإمام تركه، أو التعزير بغيره بحسب ما يراه من المصلحة.
٢ - وقال أبو حنفية: إن أُخذ قبل قتل نفسٍ أو أخذ شيء؛ حُبس بعد التعزير حتى يتوب، وهو المراد بالنفي في الآية.
وإن أخذ مالًا معصومًا بمقدار النصاب؛ قُطعت يده ورجله من خلاف، وإن قتل معصومًا ولم يأخذ مالًا قُتل.
وأما إن قتل النفس وأخذ المال - وهو المحارب الخاص - فالإمام مُخيَّر في أمور
(١) صحيح: أخرجه البخاري (٦٨٧٨)، ومسلم (١٦٧٦) من حديث ابن مسعود.