للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وينبغي أن يتنبه إلى أن المرتد إن كان كفره لإنكار شيء آخر، كمن خصص رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالعرب، أو جحد فرضًا أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة ونحو ذلك من البدع المكفرة التي ينتسب أهلها إلى الإسلام، فإنه لا يحكم بإسلامه بمجرد الشهادتين، بل يلزمه مع الشهادتين الإقرار بما أنكر ويتوب مما كان سببًا في الحكم عليه بالردة، وبهذا قال الشافعية والحنابلة.

وأما قول الحنفية: إن توبة المرتد أن يتبرأ عن الأديان سوى الإسلام أو عما انتقل إليه بعد نطقه بالشهادتين (!!) فهذا كلام مجمل لا يكفي في حقيقة التوبة لأنه قد يعتقد أن ما هو عليه هو الإسلام، وما أكثر الذين يدَّعون أنهم مسلمون وهم متلبسون بالكفر، والله أعلم.

توبة الزنديق ومن تكررت ردته:

اختلف الفقهاء في قبول توبة المرتد وعدم قبولها (١) إذا كان زنديقًا، وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وتوبة من تكررت ردَّته، على قولين (٢):

الأول: تقبل توبته كأي مرتد، وهو مذهب الحنفية والشافعية وإحدى الروايتين في مذهب أحمد واختارها ابن قدامة، وهو مروي عن عليٍّ وابن مسعود - رضي الله عنهما -، واحتجوا بما يلي:

١ - قول الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} (٣).

٢ - وقوله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين} (٤).

٣ - قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا لله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» (٥).


(١) المراد بعدم قبول التوبة هنا: عدم قبولها في الظاهر بمعنى أنه لا يدرأ عنه القتل، وأما الباطن فباب التوبة مفتوح لكل من أراد كما تضافرت بذاك الأدلة.
(٢) «ابن عابدين» (٤/ ٢٢٥)، و «فتح القدير» (٥/ ٣٠٩)، و «جواهر الإكليل» (٢/ ٢٧٩)، و «المجموع» (١٩/ ٢٣٢)، و «أسنى المطالب» (٤/ ١٢٢)، و «الأم» (٦/ ١٤٧)، و «المغني» (٨/ ٥٤٣)، و «الإنصاف» (١٠/ ٣٣٢).
(٣) سورة الأنفال: ٣٨.
(٤) سورة النساء: ١٤٥، ١٤٦.
(٥) صحيح: أخرجه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>