للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - ولأن الجرح لا يدري أقتل هو أم ليس بقتل؟ فينبغي أن ينتظر ليعلم ما حكمه.

القول الثاني: يجوز أن يقتص قبل البرء، وهذا مذهب الشافعي ورواية أخرى عن أحمد، وحجتهما:

١ - إذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل بالقصاص قبل البرء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المتقدم، وأجيب بأن قوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: «نهيتك فعصيتني» يدل على أن القصاص قبل البرء معصية، ثم إن قوله في آخره «ثم نهى ...» يدل على نسخ الإذن كما تقدم.

٢ - قالوا: ولأن القصاص لا يسقط بالسراية، فوجب أن يملكه في الحال

كما برئ، وأجيب بأن هذا ممنوع وهو مبني على الخلاف في مسألة السراية (١).

ثالثًا: إزالة المنفعة من غير شق ولا إبانة:

إذا ترتَّب على الاعتداء بالضرب أو الجرح زوال منفعة العضو مع بقائه سليمًا، كمن يلطم شخصًا في وجهه أو يجرحه في رأسه، فيؤدي إلى ذهاب السمع أو البصر، فهل يجب فيه القصاص؟ ذهب الجمهور إلى وجوب القصاص في ذلك، لأن لهذه المنافع محال مضبوطة، ولأهل الخبرة طرق في إبطالها.

وذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز القصاص إلا في زوال البصر دون سواه (٢).

إذا وقعت الجناية على المجني عليه بسبب مناد:

كمن عضَّ يد رجل فانتزعها فسقطت ثنيته، فذهب الجمهور - خلافًا لمالك - إلى أنه لا قصاص فيه ولا دية بشرط أن لا يتمكن المعضوض من إطلاق يده بما هو أيسر من ذلك، وأن يكون ذلك العض بما يتألم به، واحتجوا:

١ - بحديث عمران بن حصين: أن رجلًا عضَّ يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يعض أحدكم يد أخيه كما يعض الفحل، لا دية لك» (٣).

٢ - حديث يعلى بن أمية قال: كان لي أجير فقاتل إنسانًا فعضَّ أحدهما


(١) السراية: تعدَّى أثر الجرح من العضو المقطوع إلى غيره، وربما يموت منه.
(٢) «البدائع» (٧/ ٣٠٧)، و «الزرقاني» (٨/ ١٧)، و «روضة الطالبين» (٩/ ١٨٦)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٥٢).
(٣) صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم (١٦٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>