للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حُويِّصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيِّصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمحيِّصة: كبِّر كبِّر (يريد: السن) فتكلم حُويِّصة ثم تكلم محيِّصة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب» فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم في ذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» قالوا: لا، قال: «فتحلف لكم يهود؟» قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده، فبعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة حتى أدخلت

عليهم الدار، فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء (١).

وفي رواية: فقال: «تبرئكم يهود بخمسين، يحلفون أنهم لم يقتلوه ولم يعلموا قاتلًا؟» فقال: كيف نرضى بأيمان قوم مشركين؟ قال: «فقسم منكم خمسون أنهم قتلوه؟» قالوا: كيف نحلف ولم نر؟ فوداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عنده فركضتني بكرة منها (٢).

وقد ذهب جمهور الفقهاء - منهم الصحابة والتابعون وأهل المذاهب الأربعة والظاهرية - إلى مشروعية القسامة لهذه النصوص وغيرها، وأنه يثبت بها القصاص أو الدية إذا لم تقترن الدعوى ببينة، إذا توفرت شروطها.

بينما ذهب جماعة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز - في رواية عنه - إلى عدم الأخذ بالقسامة وعدم العمل بها، لأنها - عندهم - مخالفة لأصول الشرع المجمع عليها، ومنها: أن لا يحلف أحد إلا على ما علم قطعًا أو شاهد حسًّا، وهنا أولياء الدم يقسمون وهم لم يشاهدوا، واستدلوا بحديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يُعطى الناس بدعواهم، لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» (٣).

قالوا: وليس في الأحاديث حكم بالقسامة، وإنما كانت القسامة من أحكام الجاهلية فتلطف بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليريهم كيف بطلانها (!!).


(١) صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم واللفظ له.
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٣١٧٣)، ومسلم، والنسائي (٨/ ١١)، وأبو داود.
(٣) صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>