للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطابى - رضي الله عنه - قوله: من باع بيعتين ... ظاهره مخالف للمذاهب كلها إلا أن يقال فى معناه: أن من باع شيئًا على أنه بخمسة إن كان ناجزًا، أو بعشرة إن كان نسيئة ثم افترقا من غير أن يتعين أحدهما فهذا البيع فاسد لكونهما افترقا قبل تعيين الثمن، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة، وكان الحكم فيه الفسخ، إلا أن المشترى استهلك المبيع أو أكله فلا يجب فيه إلا المثل أو القيمة؛ وهو أوكس عادة من الثمن المتعين بينهما في البيعتين معًا، فصار المعنى أنه من باع بيعتين كذلك ثم لم يبق المبيع حتى يفسخ البيع فله أن يأخذ القيمة أو المثل ويأخذ الثمن لأنه أخذ الثمن كان إبقاء للبيع وهو مأمور بفسخه، وأما إذا أخذ الثمن ولم يفسخ فقد أربى لكونه عقد عقدًا فاسدًا، والعقود الفاسدة كلها داخلة في حكم الربا (١).

ويؤيد حمل الحديث على هذا المعنى ما نقله ابن جرير الطبرى عن الثورى أنه قال: إن بعت بيعًا فقلت: هذا بالنقد بكذا. وبالنسيئة بكذا فذهب المشترى فهو بالخيار في البيعتين، وإن لم يكن وقع بيعك على أحدهما فهو مكروه وهو بيعتان إلى بيعة، وهو مردود وهو الذي ينهى عنه، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته وإن قد استهلك ذلك فلك أوكس الثمنين وأبعد الأجلين (٢).

وروى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بعد أن ذكر قول طاوس الذي تقدم قبل قليل أنه قال: وهذا إذا كان المبتاه قد استهلكه (٣).

(هـ) ما قاله صاحب نيل الأوطار في معرض رده على المبطلين للبيع مؤجلًا مع زيادة الثمن لأجل التأجيل: لأن ذلك التمسك هو الرواية الأولى من حديث أبى هريرة: "من باع بيعتين فله أوكسهما أو الربا" وقد عرفت ما في راويها من المقال، ومع ذلك فالمشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهى عن بيعتين في بيعة ولا نتيجة فيه على المطلوب. ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوى صالحة للاحتجاج لكن احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان -أبيعك كذا شريطة أن تبيعنى كذا- قادحًا في الاستدلال بها على التنازع فيه على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة -وهي أن يقول نقدًا بكذا ونسيئة بكذا- إلا إذا قال من أول الأمر نسيئة


(١) "بذل المجهود" (١٥/ ١٣٥).
(٢) "اختلاف الفقهاء" (٣٢).
(٣) "مصنف عبد الرزاق" (٨/ ١٣٧، ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>