للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما روى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بإخراج بني النضير جاء ناس منهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا, ولنا على الناس ديون لم تحل؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ضعوا وتعجلوا" (١).

والحديث دليل على أنه لو بيع شىء ما بالنسيئة، واضطر المشترى للسداد قبل الاستحقاق يجوز تخفيض الثمن بمقدار يتكافأ مع المدة التي تفصل تاريخ السداد الفعلى عن تاريخ الاستحقاق، فإذا جاز التخفيض لقاء التعجيل فلابد عقلًا من جواز الزيادة لقاء التأجيل وهو ما قال به ابن عابدين (٢).

ومن الآثار الدالة على جواز أن يكون الثمن المؤجل أكثر من المعجل، وجواز زيادة الثمن في الشراء بالأجل. ما نقله الشيخ أبو زهرة عن كتاب المجموع والروض النضير في الفقه الزيدى الشيعي عن أبي خالد قال: سألت زيد بن علي عن رجل اشترى سلعة إلى أجل ثم باعها مرابحة والمشترى لا يعلم أنه اشتراها إلى أجل ثم علم بعد ذلك؟ فقال: هو بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء رد. وقد عقب على هذا القول بأنه يفيد حكمًا بالنص وآخر بالالتزام: أما الحكم الذي استفيد بالنص فهو أن عدم ذكر الأجل في المرابحة إذا كان البائع قد اشترى إلى أجل يعد خيانة في المرابحة، وهي خيانة لا يمكن تقديرها كالخيانة في الزيادة بالثمن، وأن الحكم في هذه الحالة هو أن المشترى بالخيار بين إمضاء العقد وبين فسخه. والحكم الالتزامي هو أنه يجوز أن يكون الثمن المؤجل أكثر من الثمن المعجل، ويتبين ذلك من خلال أن ترك ذكر البائع للأجل في المرابحة خيانة، لأن شأن التجارة أن يكون الثمن العاجل أقل من الثمن الآجل، وترك ذكر الأجل والبيع بثمن عاجل غش، لأنَّه لم يتبين ما استفاده بالتأجيل، والربح مع هذا التأجيل يكون على غير أساس سليم .. " (٣).

قال صاحب الروض النضير: "واعلم أنه يؤخذ من كلام الإِمام -زيد بن علي- أن بيع الشىء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء جائز، ولهذا ثبت للمشترى الآخر الخيار، إذ لولا زيادة الثمن في شراء الأجل لم يظهر لإثبات الخيار وجه" (٤).


(١) إسناده ضعيف: أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢/ ٥٢)، والدارقطني في "سننه" (٣/ ٤٦) وغيرهما.
(٢) "مصرف التنمية الإِسلامى" (١٨٦)، "حاشية ابن عابدين" (٥/ ١٦٠)، (٦/ ٧٥٧).
(٣) "الإِمام زيد" نقلًا عن المجموع والروض النضير (٢٩٢).
(٤) "الروض النضير" (٣/ ١٦٨)، نقلًا عن "الإِمام زيد" (٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>