للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: مناقشة أدلة القائلين بالجواز:

لقد تناول القائلون بعدم جواز البيع بثمن مؤجل يفوق الثمن الحال بعض أدلة القائلين بالجواز بالمناقشة، وذلك على خلاف ما قام به الجمهور من تفنيد جميع أدلة المانعين بصورة شاملة وافية، مما يعد مؤشرًا على قوة حجّتهم (١).

فقد ناقش المانعون قول الجمهور في استدلالهم بالآية الكريمة {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} على حل البيع عملًا بعموم النص حيث لم يرد صحيح يخصصه بقولهم:

إن الآية تفيد تحريم البيع بزيادة الثمن مقابل الأجل، لأنها داخلة في عمومِ كلمة الربا التي تعنى الزيادة، كما أنها تفيد الإباحة في قوله سبحانه {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فإن العقود الربوية مقيدة لهذه الإباحة. وإذا قيل بأن البيوع بأثمان مؤجلة داخلة في معنى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} إذ هى بيع، يقال إنها تحتمل أن تكون داخلة في عموم البيع أو الربا، وعند الاحتمال من غير ترجيح يقدم احتمال الحظر على احتمال الإباحة وخصوصًا أن إحلال البيع ليس على عمومه بل خرجت منه البيوع وهذا منها (٢).

ومن جهة أخرى، فإن قوله تعالى {وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وليس مجملًا بدليل أن الله عَزَّ وَجَلَّ وضحه بأنه كل زيادة على رأس المال مقابل الأجل {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} وقد أجمع العلماء على تفسير الربا في هذه الآية بأنه الربا الذي كان معروفًا في الجاهلية وهو ما كان يحصل عليه الدائن من زيادة لرأس ماله عندما يعجز بدينه عند حلول الأجل فيقول له: "إما أن تقضي ديني وأما أن تربي" أي تزيدني في الدين نظير الأجل فدل على أن كل زيادة في مقابل الأجل ربا، والأجل لا يعد مالًا لعدم إمكان حيازته والاستئثار به وادخاره لوقت الحاجة، فلم يكن جائزًا أن يأخذ مالا عوضًا عنه، ومن ثم كانت زيادة ثمن السلعة المؤجل عن الثمن المال زيادة خالية عن العوض، وهذا هو الربا (٣).

أما استدلال الجمهور بحديث: "ضعوا وتعجلوا" فالجواب عنه:


(١) أبرز صور البيوع الفاسدة (٥١).
(٢) "الإِمام زيد" (٢٩٤).
(٣) "نظرية الأجل في الالتزام في الشريعة الإِسلامية والقوانين العربية"، د. عبد الناصر العطار (٢٢١): مطبعة السعادة، القاهرة، ط ١٩٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>