للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: لأنه لا يجمع بين طهارة الماء وطهارة التيمم، إما هذا وإما هذا، واحتج ابن المنذر لهذا المذهب فقال (١):

«قال الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} الآية، فأوجب على الجنب الاغتسال بالماء، فإن لم يجد تيمَّمَ، وأوجب على المُظاهر رقبة، فإن لم يجد صام شهرين، فلما كان الواجد بعض رقبة في معنى من لا يجد، وفرضه الصوم، كان الواجد من الماء ما يغسل به بعض بدنه في معنى من لا يجد، وفرضه الصوم، كان الواجد من الماء ما يغسل به بعض بدنه في معنى من لا يجد وفرضه التيمم، والجواب في المتمتع يجد بعض ثمن الهدى، والحانث في يمينه يجد ما يطعم أقل من عشرة مساكين، حكم من ذكرنا، فأما أن يفرض على بعض من ذكرنا فرضين فغير جائز» اهـ.

قلت: ولعل الأظهر أنه يتيمم ابتداءً، لعدم الجمع بين الأصل والبدل، ولأنه لو لم يكن معه ما يكفي جميع أعضاء الوضوء أو الغسل، فاستعمل البدل (التيمم) فإنه يكون أتى ما استطاع من أمر الله ورسوله كذلك، على أن الذي يظهر لي أن هذا الذي يتيمم بعد غسل بعض الأعضاء إنما حصلت له الطهارة بالتيمم وحده لا بمجموع الغسل والتيمم، فلم يكن لغسل بعض الأعضاء -مع تيقن عدم كفاية الماء - معنى والله أعلم.

من كان معه ماء، إلا أنه يخاف على نفسه أو رفيقه أو دابته العطش إن استعمله:

قال ابن المنذر (٢):

«أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا خشي على نفسه العطش ومعه مقدار يتطهر به من الماء، أنه يُبقى ماءه للشرب ويتيمم» اهـ.

وقال ابن قدامة (٣): «والخائف على بهائمه خائف من ضياع ماله فأشبه ما لو وجد ماء بينه وبينه لص أو سبع يخافه على بهيمته أو شيء من ماله، وإن وجد عطشان يخاف تلفه لزمه سقيه وتيمم» اهـ.


(١) الأوسط لابن المنذر (٢/ ٣٤).
(٢) الأوسط (٢/ ٢٨).
(٣) المغنى (١/ ١٦٥)، وانظر المجموع (٢/ ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>