للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن منع الجمع بينهما -كأبي حنيفة ومالك وهو ما رجَّحناه قريبًا- ذهب إلى اتباع الأقل للأكثر، بحيث إذا كان أكثر جسده جريحًا تيمم دون غسل باقي الأعضاء الصحيحة، وإن كان أكثر صحيحًا غسل جسده وترك موضع الجرح (١).

ومن أجاز الجمع بين الغسل والتيمم قال: يغسل الصحيح من الجسد ويتيمم عن المجروح، وهو قول الشافعي وأحمد، وكأنه اختيار شيخ الإسلام (٢).

قلت: والظاهر أن الأول أصح -كما تقدم- ولا يصح في هذا الباب شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لكن يُروى حديث جابر قال:

خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فقال لأصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك، قال: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العيي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم [ويعصر -أو يعصب- على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده]» (٣).

وهو حديث ضعيف ضعَّفه البيهقي وابن حزم وغيرهما وهو كذلك، وإن كان قد حسنه -بدون ما بين المعكوفتين- الألباني بما لا يُسَلَّم.

وقد رُوى عن ابن عمر قال: «إذا لم تكن على الجرح عصائب، غسل ما حوله، ولم يغسله» (٤).

وقد صح عن عبيد بن عمير في رجل أصابته جنابة وبه جراحة: «ليغسل ما حوله ولا يقرب جراحته الماء» (٥).

وهذا موافق لمذهب أبي حنيفة ومالك، وهو الراجح والله أعلم.


(١) المبسوط (١/ ١١٢)، والمجموع (٢/ ٣٣٣).
(٢) المغنى (١/ ١٦٢)، والمجموع (١/ ١٦٢)، ومجموع الفتاوى (٢١/ ٤٦٦).
(٣) ضعيف: أخرجه أبو داود (٣٣٦)، والدارقطني (١/ ١٩٠)، والبيهقي (١/ ٢٣٧) وسنده ضعيف، وقد حسنه الألباني بحديث ابن عباس عند أبي داود (٣٣٧)، وابن ماجه (٥٧٢) لكنه منقطع لا يصلح للاستشهاد.
(٤) إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي (١/ ٢٢٨).
(٥) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>