للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أخرج، فقال أنس: فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يُبتدأ القصر منه» اهـ.

(ب) وعن أنس قال: «صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا، والعصر بذي

الحليفة ركعتين» (١) وبينهما ثلاثة أميال:

(أ) أنه قد ثبت عنهما خلاف هذا التحديد بأسانيد صحيحة، وكذا خالفهما غيرهما من الصحابة.

(ب) ولو سلِّم أنه لم يثبت عنهما إلا ما احتج به الجمهور وأنه ليس لهما مخالف، فلا حجة فيه كذلك لمخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم.

٥ - وأما حديث (لا تسافر المرأة ثلاثًا ...) فليس فيه أن السفر لا يطلق إلا على ثلاثة أيام، وإنما فيه أنه لا يجوز أن تسافر المرأة بغير محرم هذا السفر الخاص، وقد صح من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم» (٢) وليس شيء من هذا حدًّا للسفر.

الراجح: هو القول الثالث بأن يقصر في كل ما يُطلق عليه مسمى «السفر» سواء كان قصيرًا أو طويلاً وليس له حد في اللغة، فرجع إلى ما يعرفه الناس ويعتادونه، وهذا يختلف باختلاف الأزمنة لما يطرأ من التطور في وسائل المواصلات، وضابطه: أن يقول القائل: إني مسافر إلى البلد الفلاني، لا إني ذاهب، وأن يكون فيه ما يعد به في العُرف سفرًا، مثل التزود له ونحو ذلك، والله أعلم.

هل يشترط في السفر الذي يقصر فيه أن يكون سفر طاعة؟

ذهب جمهور العلماء: مالك والشافعي وأحمد (٣)، إلى أنه لا يشرع القصر إلا في السفر الواجب أو المباح ولا يجوز في سفر المعصية كقطع الطريق ونحوه، وهذا مبناه على قولهم بأن القصر رخصة والمقصود منها التخفيف على المكلف، وهو إنما شرع ليُستعان به على تحصيل المصالح، فلا يكون إلا لمن يبذله في الطاعة، لا أن يتوصل به إلى ما يغضب الله.


(١) صحيح: أخرجه البخاري (١٨٩)، ومسلم (٦٩٠)، وزيادة (العصر) له.
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (١٠٨٨)، ومسلم (١٩٣٩).
(٣) «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٤)، و «المجموع» (٤/ ٢٠١)، و «المغنى» (٢/ ١٠١)، و «كشاف القناع» (١/ ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>