للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينما ذهب القائلون بوجوب القصر: (أبو حنيفة وابن حزم وابن تيمية، وغيرهم) إلى أنه يقصر في كل سفر ولو في معصية، لأن فرضه ركعتان لا أربع، وإن كان عاصيًا بسفره، وهذا قول عند المالكية (١).

قلت: فمن ترجَّح عنده أن القصر رخصة منع القصر في سفر المعصية، ومن أوجب القصر لم يفرِّق بين سفر الطاعة والمعصية، وهو الأرجح، والله أعلم.

الموضع الذي يبدأ منه المسافر قصر الصلاة:

أجمع أهل العلم على أن المسافر يجوز له أن يبدأ قصر الصلاة بعد مفارقة عمران بلدته (٢).

ثم اختلفوا في جواز القصر قبل ذلك على قولين، أصحُّهما أنه لا يجوز أن يقصر قبل مغادرة العمران، وهو مذهب الجمهور (٣)، ويدل عليه: حديث أنس بن مالك قال: «صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين» (٤).

وهو ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبتدئ القصر بعد خروجه من المدينة.

مدة القصر، إذا أقام في بلد السفر:

المسافر لا يزال يقصر الصلاة ما دام في طريق سفره مهما طالت المدة، فإذا وصل إلى البلد الذي أراده، فما المدة التي يُشرع له القصر فيها؟

هذا أمر مسكوت منه في الشرع، وليس فيه حديث صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقياس على التحديد ضعيف عند أهل العلم، ولذا اختلف العلماء في هذه المسألة على نحو من أحد عشر قولاً، أشهرها أربعة أقوال رام أصحابها أن يستدلوا لمذهبهم من الأحوال التي نقلت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام فيها مُقصرًا، أو أنه جعل لها حكم المسافر (٥)، وأشهر هذه الأقوال ما يلي:


(١) «فتح القدير» (١/ ٤٧) النبي صلى الله عليه وسلم و «الخرشي» (١/ ٥٧)، و «المحلى» (٤/ ٢٦٧)، و «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ١١٠).
(٢) «الإجماع» لابن المنذر (٣٩)، و «المغنى» (٢/ ٢٦٠).
(٣) «ابن عابدين» (٢/ ١٢١)، و «الذخيرة» (٢/ ٣٦٥)، و «المجموع» (٤/ ٢٠٢)، و «كشاف القناع» (١/ ٣٢٥).
(٤) صحيح: تقدم قريبًا.
(٥) «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٥) ط. العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>