للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الأحاديث -وغيرها- تدل بظاهرها وعمومها على جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، سواء كان الجمع جمع تقديم أو تأخير.

وقد حملها أصحاب القول الأول على «الجمع الصوري» وهو أن يؤخر المغرب مثلًا إلى آخر وقتها ويُعجِّل العشاء أوَّل وقتها!! وتُعُقِّب: بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة، وأيضًا فإن الأخبار جاءت صريحة في وقت إحدى الصلاتين، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع» (١).

وأما قولهم: لا نترك الأخبار المتواترة لهذه الأحاديث، فنقول: لا نتركها وإنما نخصصها بها،

وتخصيص المتواتر بالخبر الصحيح جائز بالإجماع (٢).

وأما حديث ابن مسعود، فإن ظاهره غير مراد بالإجماع من وجهين: أنه صلى الله عليه وسلم قد جمع بين الظهر والعصر بعرفة، فلم يصح هذا الحصر، وأن أحدًا لم يقل بظاهره من إيقاع الصبح قبل وقتها، بل المراد: بالغ في تعجيلها.

ثم إن غير ابن مسعود قد حفظ جمعه صلى الله عليه وسلم في السفر بغير عرفة والمزدلفة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وهو قد نفى وغيره أثبت، والمثبت مقدَّم على النافي على أنه جاء عن ابن مسعود قوله: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر» (٣).

[٢] الجمع في الحَضَر: لا يختص الجمع بين الصلاتين بحال السفر، بل يجوز الجمع في الحضر للأسباب الآتية:

(أ) الجمع في المطر:

يجوز جمع الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، في الحضر بسبب المطر عند الجمهور، إلا أن مالكًا خصَّ جوازه بالليل دون النهار!! لما يأتي:

١ - حديث ابن عباس قال: «جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة في غير خوف ولا مطر» (٤) وهو يُشعر أن الجمع للمطر


(١) «فتح الباري» (٢/ ٦٧٥) ط. السلفية.
(٢) «المغنى» (٢/ ٢٠١).
(٣) إسناده ضعيف: أخرجه أبو يعلى (٥٤١٣)، والطبراني في «الكبير» (١٠/ ٣٩)، و «الطحاوي» في «شرح المعاني» (١/ ١٦٠).
(٤) صحيح: أخرجه مسلم (٧٠٥)، وانظر «الإرواء» (٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>