للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «أصحابي كالنجوم؛ فبأيهم اقتديتم اهتديتم».

وكلاهما لا يصح: الأول واه جدًّا، والآخر موضوع، وقد حققت القول في ذلك كله في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (رقم ٥٨ و٥٩ و٦١).

الثاني: أن الحديث -مع ضعفه- مخالف للقرآن الكريم، فإن الآيات الواردة فيه -في النهي عن الاختلاف في الدين، والأمر بالاتفاق فيه- أشهر من أن تذكر، ولكن لا بأس من أن نسوق بعضها على سبيل المثال، قال الله تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (١). وقال: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (٢). وقال: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} (٣)، فإذا كان من رحم ربك لا يختلفون، وإنما يختلف أهل الباطل؛ فكيف يعقل أن يكون الاختلاف رحمة؟!

فثبت أن هذا الحديث لا يصح، لا سندًا ولا متنًا، وحينئذ يتبين بوضوح أنه لا يجوز اتخاذه شبهة للتوقف عن العمل بالكتاب والسنة الذي أمر به الأئمة.

٢ - وقال آخرون: إذا كان الاختلاف في الدين منهيًّا عنه؛ فماذا تقولون في اختلاف الصحابة والأئمة من بعدهم؟ وهل ثمة فرق بين اختلافهم واختلاف غيرهم من المتأخرين؟

فالجواب: نعم؛ هناك فرق كبير بين الاختلافين، ويظهر ذلك من شيئين:

الأول: سببه.

والآخر: أثره.

فأما اختلاف الصحابة؛ فإنما كان عن ضرورة واختلاف طبيعي منهم في الفهم؛ لا اختيارًا منهم للخلاف، يضاف إلى ذلك أمور أخرى كانت في زمنهم، استلزمت اختلافهم ثم زالت من بعدهم، ومثل هذا الاختلاف لا يمكن الخلاص منه كليًّا، ولا يلحق أهله الذم الوارد في الآيات السابقة وما في معناها؛ لعدم تحقق شرط المؤاخذة، وهو القصد أو الإصرار عليه.


(١) سورة الأنفال، الآية: ٤٦.
(٢) سورة الروم، الآيتان: ٣١، ٣٢.
(٣) سورة هود، الآيتان: ١١٨، ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>