وأما الاختلاف القائم بين المقلدة؛ فلا عذر لهم فيه غالبًا، فإن بعضهم قد تتبين له الحجة من الكتاب والسنة، وأنها تؤيد المذهب الآخر الذي لا يتمذهب به عادة، فيدعها لا لشيء إلا لأنها خلاف مذهبه، فكأن المذهب عنده هو الأصل، أو هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والمذهب الآخر هو دين آخر منسوخ!.
وآخرون منهم على النقيض من ذلك، فإنهم يرون هذه المذاهب - على ما بينها من اختلاف واسع- كشرائع متعددة، كما صرح بذلك بعض متأخريهم: لا حرج على المسلم أن يأخذ من أيها ما شاء، ويدع ما شاء، إذ الكل شرع! وقد يحتج هؤلاء وهؤلاء على بقائهم في الاختلاف بذلك الحديث الباطل:«اختلاف أمتي رحمة»، وكثيرًا ما سمعناهم يستدلون به على ذلك!.
ويعلل بعضهم هذا الحديث ويوجهونه بقولهم: إن الاختلاف إنما كان رحمة؛ لأن فيه توسعة على الأمة! ومع أن هذا التعليل مخالف لصريح الآيات المتقدمة، وفحوى كلمات الأئمة السابقة؛ فقد جاء النص عن بعضهم برده.
قال ابن القاسم:
«سمعت مالكًا والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كما قال ناس: «فيه توسعة»؛ ليس كذلك، إنما هو خطأ وصواب».
وقال أشهب:
«سئل مالك عمن أخذ بحديث حدثه ثقة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أتراه من ذلك في سعة؟.
فقال: لا والله حتى يصيب الحق، ما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صوابًا جميعًا؟! ما الحق والصواب إلا واحد».
وقال المزني صاحب الإمام الشافعي:
«وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطَّأ بعضهم بعضًا، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقبها، ولو كان قولهم كله صوابًا عندهم؛ لما فعلوا ذلك، وغضب عمر بن الخطاب من اختلاف أُبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد؛ إذ قال أُبي: إن الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل وقال ابن