مسعود: إنما كان ذلك والثياب قليلة. فخرج عمر مغضبًا، فقال: اختلف رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ينظر إليه ويؤخذ عنه! وقد صدق أُبي، ولم يأل ابن مسعود، ولكني لا أسمع أحدًا يختلف فيه بعد مقامي هذا إلا فعلت به كذا وكذا».
وقال الإمام المزني أيضًا:
«يقال لمن جوز الاختلاف وزعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة، فقال أحدهما: حلال، والآخر: حرام؛ أن كل واحد منهما في اجتهاده مصيب الحق: أبأصل قلت هذا أم بقياس؟ فإن قال: بأصل؛ قيل له: كيف يكون أصلاً والكتاب ينفي الاختلاف؟! وإن قلت: بقياس؛ قيل: كيف تكون الأصول تنفي الخلاف، ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟ هذا ما لا يجوزه عاقل، فضلاً عن عالم».
فإن قال قائل: يخالف ما ذكرته عن الإمام مالك أن الحق واحد لا يتعدد ما جاء في كتاب «المدخل الفقهي» للأستاذ الزرقا (١/ ٨٩):
«ولقد همَّ أبو جعفر المنصور ثم الرشيد من بعده أن يختارا مذهب الإمام مالك وكتابه «الموطأ» قانونًا قضائيًّا للدولة العباسية، فنهاهما مالك عن ذلك وقال:
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكل مصيب».
وأقول: إن هذه القصة معروفة مشهورة عن الإمام مالك -رحمه الله- لكن قوله في آخرها:«وكل مصيب» مما لا أعلم له أصلاً في شيء من الروايات والمصادر التي وقفت عليها، اللهم! إلا رواية واحدة أخرجها أبو نُعيم في «الحلية»(٦/ ٣٣٢) بإسناد فيه المقدام بن داود، وهو ممن أوردهم الذهبي في «الضعفاء»، ومع ذلك فإن لفظها:«وكل عند نفسه مصيب»، فقوله:«عند نفسه» يدل على أن رواية «المدخل» مدخولة، وكيف لا تكون كذلك وهي مخالفة لما رواه الثقات عن الإمام مالك أن الحق واحد لا يتعدد كما سبق بيانه؟! وعلى هذا كل الأئمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة المجتهدين وغيرهم.