للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ولأن ذلك أقرب إلى اتحاد المسلمين وتوحيد كلمتهم، ولسهولة الاتصال بين طرفي المعمورة في هذه الأزمان عن طريق الأقمار الصناعية.

الثاني: أن لكل بلد -تحت ولاية واحدة- رؤيتهم: وقد نقله ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق (١)، ودليلهم حديث كريب -مولى ابن عباس- قال: «قدمت الشام واستهل عليَّ هلال رمضان، وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته ليلة الجمعة؟ قلت: نعم ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» (٢).

وقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (٣). ومفهومه أن من لم يشهده لا يصوم حتى يراه أو يكمل عدة شعبان.

الثالث: أنه يجب الصوم على البلاد التي لا تختلف مطالعها: وهذا أصح الأوجه عند الشافعية ومذهب بعض المالكية والحنفية وقول عند الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام (٤) وهذا هو القول الوسط في المسألة، فإن المطالع تختلف باتفاق أهل المعرفة، فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا، وأما القول الأول بعدم اعتبار اختلاف المطالع فهو مخالف لما هو ثابت بالضرورة من اختلاف الأوقات، فإنه لو غابت الشمس في المشرق فليس لأهل المغرب الفطر اتفاقًا، وأما حديث كريب فإنما يدل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده -ونحن نقول به- وإنما الخلاف في وجوب قضاء اليوم الأول، وليس هو في الحديث (٥) ثم إنه لا يعدو كونه فهم ابن عباس لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام والإفطار لرؤية الهلال، والحجة إنما هي في المرفوع، والله أعلم.


(١) «المغنى» (٣/ ٢٨٩ - الغد)، و «المجموع» (٦/ ٢٧٤).
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٠٨٧)، وأبو داود (٢٣٣٢)، والنسائي (٤/ ١٣١)، والترمذي (٦٩٣).
(٣) سورة البقرة: ١٨٥.
(٤) «القوانين الفقهية» (١٠٣) والمراجع السابقة.
(٥) «المغنى» (٣/ ٢٨٩ - الغد)، وانظر «نيل الأوطار» (٤/ ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>