للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أنه لا قضاء عليه، وهو مذهب إسحاق ورواية عن أحمد وداود وابن حزم وعزاه إلى جمهور السلف، وبه قال المزني من الشافعية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (١)، وهو الراجح لما يأتي:

١ - لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَاتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ...} (٢).

٢ - وقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَانَا ...} (٣) فقال الله -كما في الحديث: «نعم» (٤).

٣ - حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: «أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس» قيل لهشام [الراوي عن أُمِّه فاطمة عن أسماء]: فأُمروا بالقضاء؟ قال: بُدٌّ من قضاء، وقال معمر: سمعت هشامًا يقول: «لا أدري أقضوا أم لا» (٥).

فحديث أسماء لا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه، وأما كلام هشام فقاله برأيه، ويدل عليه سؤال معمر له.

فتحصَّل أنهم لم يؤمروا بالقضاء، ولو كان عليهم قضاء لحفظ، فلما لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فالأصل براءة الذمة، وعدم القضاء.

٤ - قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (٦). قد علَّق الإمساك على تبين طلوع الفجر لا على مجرد طلوعه.

٥ - أن الجاهل معذور، ففي حديث عدي بن حاتم قال: «لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ} عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: «إنما ذلك سواد الليل والنهار» (٧) ولم يأمره بالقضاء، لأنه جاهل ولم يقصد مخالفة الله ورسوله، بل رأى أن هذا حكم الله ورسوله فَعُذِر (٨).


(١) «المحلى» (٦/ ٢٢٠، ٢٢٩)، و «المجموع» (٦/ ٣١١)، و «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٢٣١).
(٢) سورة الأحزاب: ٥.
(٣) سورة البقرة: ٢٨٦.
(٤) صحيح: أخرجه مسلم (١٢٥).
(٥) صحيح: أخرجه البخاري (١٩٥٩).
(٦) سورة البقرة: ١٨٧.
(٧) صحيح: أخرجه البخاري (٤٥٠٩)، ومسلم (١٠٩٠).
(٨) «الشرح الممتع» (٦/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>