للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - قالوا: إن حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» هو المنسوخ، وأطال النووي الكلام على ذلك، وبهذا قال الشافعي والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم.

٣ - ضعَّفوا حديث «أفطر الحاجم والمحجوم».

قلت:

والحق أنه ليس على دعوى النسخ من الفريقين برهان لا سيما مع الجهل بالتاريخ، ثم إن الحديثين صحيحان لا مطعن في واحد منهما، فهاهنا مسلكان يجب المصير إلى واحد منهما:

(أ) إما أن يقال إن إفطار الحاجم والمحجوم منسوخ بحديث آخر وهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم» (١).

قال ابن حزم (٦/ ٢٠٤): وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به، لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدلَّ على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجمًا أو محجومًا. اهـ.

(ب) وإما أن يقال النهي عن احتجام الصائم ليس على التحريم، فيحمل حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» على المجاز بمعنى أنه سيأول أمْرهما إلى الفطر ويؤيد هذا ما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عن الحجامة والمواصلة -ولم يحرمهما- إبقاء على أصحابه ...» (٢) فدلَّ على أنه إنما كره ذلك في حق من كان يضعف به ويؤكده حديث ثابت أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «لا، إلا من أجل الضعف» (٣).

قلت: وهذا هو الأولى بالقبول فيترجح مذهب الجمهور بأن الحجامة لا تفطر، لكنها تكره في حق من كان سيضعف بها، وتحرم إذا بلغ به الضعف إلى أن تكون سببًا في إفطاره ويدخل في معنى الحجامة التبرع بالدم، فيقال فيه ما تقدم، والله أعلم.


(١) صحيح: أخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٢٤١)، والدارقطني (٢/ ١٨٢)، والبيهقي (٤/ ٢٦٤)، وانظر «الإرواء» (٤/ ٧٤).
(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٣٧٤)، وعبد الرزاق (٧٥٣٥) وجهالة الصحابي لا تضر.
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (١٩٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>