للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعن ابن عباس قال: «رخص للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة في ذلك، وهما يطيقان الصوم، يفطران إن شاءا، ويطعمان كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (١) وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كان لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا، وأطعمتا كل يوم مسكينًا» (٢).

وفي قوله: «ثبت» إشعار بأن هذا الحكم في حق من لا يطيق الصوم كان مشروعًا كما كان مشروعًا في حق من يطيق الصوم، فنسخ هذا، واستمر الآخر، وكل من شرعيته واستمراره إنما عرفه ابن عباس من السنة، وليس من القرآن (٣).

ويؤيد هذا أن ابن عباس أثبت هذا الحكم للحبلى والمرضع إذا خافتا، ومن الظاهر جدًّا أنهما ليستا كالشيخ والشيخة في عدم الاستطاعة، بل إنهما مستطيعتان، ولذا كان يأمر وليدة له حبلى أن تفطر ويقول: «أنت بمنزلة الكبير الذي لا يطيق الصيام فأفطري وأطعمي عن كل يوم نصف صاع من حِنْطَة» (٤).

فمن أين أعطاهما ابن عباس هذا الحكم مع تصريحه بأن الآية منسوخة؟! ذلك من السنة بلا ريب.

وعن نافع قال: «كانت بنت لابن عمر تحت رجل من قريش، وكانت حاملاً، فأصابها عطش في رمضان، فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينًا» (٥).

الرابع: القضاء على الحامل، والقضاء والإطعام على المرضع: وبه قال مالك، وهو قول عند الشافعية (٦).

الخامس: ليس عليهما قضاء ولا إطعام: وهو مذهب ابن حزم (٧) قال: وإذا سقط الصوم، فإيجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن الله تعالى به، ولم يوجب الله


(١) سورة البقرة: ١٨٥.
(٢) صحيح: أخرجه ابن الجارود (٣٨١)، والبيهقي (٤/ ٢٣٠)، وانظر «الإرواء» (٤/ ١٨).
(٣) أفاده الألباني -رحمه الله- في ش «الإرواء» (٤/ ٢٤) فعليه عن ابن عباس أن الآية منسوخة كما جزم به ابن حزم (٦/ ٢٦٤)، ولا تعارض بينه وبين قول ابن عباس في رواية البخاري «ليست منسوخة».
(٤) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (٧٥٦٧)، والدارقطني (٢/ ٢٠٦) وصححه.
(٥) إسناده صحيح: أخرجه الدارقطني (٢/ ٢٠٧)، وانظر «الإرواء» (٤/ ٢٠)
(٦) «المحلى» (٦/ ٢٦٥)، و «بداية المجتهد» (١/ ٤٤٦)، و «المجموع» (٦/ ٢٧٣).
(٧) «المحلى» (٦/ ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>