للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علق به الحكم، فلا يمكن اطراحه بإلحاق العمد به، إذ لا يساويه، وأما التمسك بقول الراوي «فما سئل عن شيء .. إلخ» فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقًا غير مراعى، فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه، وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه، فلا يبقى حجة في حال العمد. اهـ.

قلت: هذا الكلام يكون في غاية السداد لو اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على قوله: «لا حرج» في جواب للسائل، فلما قال: «افعل ولا حرج» وكان هذا دالاًّ على عدم الحرج في المستقبل، عُلم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل والذاكر والعالم، وهذا كما أنه ظاهر الأدلة فهو الموافق لمقاصد الشريعة لا سيما في هذه الأيام (١) والله أعلم.

يبقى إشكال في تقديم الحلق على الهدي لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (٢). وقد أُجيب بأن المراد ببلوغ الهدي محله: وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه وقد حصل، وإنما يقع الإشكال لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا، فصح أنه لا يجب الترتيب وإن كان هو الأولى، والله أعلم.

التحلل الأول والثاني:

للحج تحللان: أول وثان، يتعلقان برمي جمرة العقبة والحلق وطواف الإفاضة، وقد اختلف العلماء: هل يحصل التحلل الأول بالرمي وإن لم يحلق، أو بالرمي مع الحلق؟

والأصل في هذا حديث عائشة قالت: «طيَّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديَّ هاتين حين أحرم، ولحلِّه حين أحلَّ قبل أن يطوف» (٣).

وعائشة رضي الله عنها لم تكن مسايرته لما أفاض صلى الله عليه وسلم من مزدلفة، وقد ثبت أنه استمر راكبًا إلى أن رمى جمرة العقبة، فدلَّ على أن تطييبها له وقع بعد الرمي، لكن هل كان هذا التطييب قبل الحلق أو بعده؟

فقال بعض العلماء (٤): لو كان يحل بالرمي فقط لقالت: (ولحله قبل أن


(١) أشار إلى نحو هذا العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- كما في «الممتع» (٧/ ٣٦٧).
(٢) سورة البقرة: ١٩٦.
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (١٧٥٤)، ومسلم (١١٨٩).
(٤) «الشرح الممتع» (٧/ ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>