للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انتفاع صاحب الهدي به:

١ - الأكل من الهدي إذا بلغ محله:

قال الله سبحانه {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (١).

وقد اختلف أهل العلم في الأكل من الهدي الواجب: فقال أبو حنيفة: لا يؤكل من الهدي الواجب إلا هدي المتعة وهدي القرآن (٢)، وهو قول أكثر الحنابلة (٣) وقال مالك: يؤكل من كل الهدي الواجب إلا جزاء الصيد ونذر المساكين وفدية الأذى (٤).

وقال الشافعي: لا يؤكل من الهدي الواجب كله، ولحمه كله للمساكين (٥).

قلت: ما كان من الهدي أشبه بالكفارة فلا يأكل منه، لاتفاقهم على أنه لا يأكل صاحب الكفارة منها، وهذا ظاهر في هدي جزاء الصيد وفدية الأذى وسائر دماء الجبران، وأماما كان دم نسك، فهوعبادة مبتدأة وليس دم جبران، فهذا يأكل منه، وهدي التمتع والقران هو هدي نسك -على الراجح- شرع شكرًا لله تعالى على ما أنعم به على الحاج من تيسير الحج والعمرة له في سفرة واحدة، ويؤيد هذا أن سبب الجبران محظور في الأصل، والتمتع جائز مطلقًا ولو كان دمه دم جبران لم يجز مطلقًا، فعلم أنه دم نسك وهدي، وهذا مذهب الحنفية وأكثر الحنابلة واختاره ابن تيمية (٦)، وعند الشافعية والمالكية أنه دم جبران (٧) إلا أن المالكية أجازوا الأكل، والأول أظهر، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من هديه، وقد كان قارنًا ففي حديث جابر: «... ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا مرقها ...» (٨) والله أعلم.

وأما هدي التطوع: فأجمعوا أنه يأكل منه -إذا بلغ محلَّه- كسائر الناس.

وإذا عطب قبل أن يبلغ محله: خلَّى بينه وبين الناس ولم يأكل منه، فعن ابن


(١) سورة الحج: ٢٨.
(٢) «الهداية» (١/ ١٨٦).
(٣) «المبدع» (٣/ ١٢٤)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٣٩)، و «الفروع» (٣/ ٣١٠).
(٤) «بداية المجتهد» (١/ ٥٦٥)، و «الخرشي» (٢/ ٣٧٨).
(٥) «روضة الطالبين» (٣/ ١٩١).
(٦) «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ٨٢).
(٧) «مجموع الفتاوى» (٢٦/ ٨٢).
(٨) «المجموع» (٧/ ١٧٦)، و «الروضة» (٣/ ٤٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>