للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محفوظة، وهو كما قال: وكذلك تكلم بعض العلماء في ثبوت قوله «وأبيك لتنبأنه» لكن قال شيخنا المبارك مصطفى بن العدوي -رفع الله قدره- في شأن الزيادة الأخيرة: «إن في النفس شيئًا من القول بشذوذ: أما وأبيك لتنبأنه» (١) قلت (أبو مالك): وعلى فرض ثبوت جميع هذه الزيادات، فإن لأهل العلم توجيهات لهذه المرويات -على ندرتها- يجب المصير إلى بعضها لأجل مخالفتها للأحاديث الظاهرة المشتهرة التي تقدمت، فمن ذلك:

٢ - أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير قصد حقيقة القسم، وإلى هذا جنح البيهقي، وقال النووي، إنه الجواب المُرضي.

٣ - أنه كان يقع في كلامهم على وجهين: أحدهما للتعظيم والآخر للتأكيد، والنهي إنما ورد عن الأول.

٤ - أن هذا كان جائزًا ثم نسخ، ورُدَّ بأنه لا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحلف بغير الله ولا يقسم بكافر، ثم إن دعوى النسخ ضعيفة لإمكان الجمع ولعدم تحقيق التاريخ.

٥ - أن في الجواب حذفًا تقديره (أفلح ورب أبيه).

٦ - أنه للتعجب، ويدل عليه أنه لم يرد بلفظ (وأبي) وإنما ورد بلفظ «وأبيه» أو «وأبيك» بالإضافة إلى ضمير المخاطب حاضرًا وغائبًا.

٧ - أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من أمته، وتُعقِّب بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال.

قلت: فالأظهر أن الحلف بغير الله حرام للأدلة الصريحة في ذلك، ومثلُ قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك» لا يمكن أن يقال فيه: إنه مصروف إلى الكراهة، فهذا مما يستثنى من قاعدة «الجمع أولى من الترجيح» والله أعلم.

٢ - قسم الله تعالى بمخلوقاته:

ومما استدل به القائلون بكراهة الحلف بغير الله -دون تحريمه- أن الله تعالى قد أقسم في كتابه بمخلوقاته فقال: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (٢)، و {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (٣)، و {وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (٤) ونحو هذا.


(١) نقله عنه أخونا في الله عصام جاد في كتابه «فقه الأيمان» ص (٦٩).
(٢) سورة الطارق: ١.
(٣) سورة الشمس: ١.
(٤) سورة الفجر: ١، ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>