للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهر الأمر بإبرار المقسم للوجوب إلا أنه مصروف إلى الاستحباب بحديث ابن عباس في قصة تأويل أبي بكر لرؤيا رآها رجلٌ -في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم- وفيه قال أبو بكر: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأتُ في الرؤيا، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقسم» (١).

يعني: لا تكرر القسم، لأنني لن أجيبك، ولعل هذا الصنيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يفعل خلاف المستحسن إلا بقصد بيان الجواز، وإلا فقد كان صلى الله عليه وسلم يبرُّ بقسم الناس، ففي حديث المغيرة بن شعبة: «... قلت: يا رسول الله، أقسمتُ عليك لما أعطيتني يدك، فناولني يده، فأدخلتُها في كمي حتى انتهيت إلى صدري فوجده معصوبًا، فقال: «إن لك عذرًا» (٢).

إذا لم يبرَّ قسم أخيه، فهل يلزم الحالف كفارة؟

١ - إذا قال لأخيه: بالله افعل كذا، أو أسألك بالله لتفعلن، فهذا طلب محض وسؤال وليس بيمين، فلا كفارة فيه، وفي الحديث: «من سألكم بالله فأعطوه» ولا كفارة على هذا إذا لم يجب سؤاله.

٢ - إذا قال: والله لتفعلن كذا، فأحنثه، فقيل: يلزم الحالف كفارة، وهو منقول عن عمر وأهل المدينة وعطاء وقتادة والأوزاعي والشافعي (٣)، وقال ابن حزم: لا كفارة عليه لأنه لم يقصد الحنث، ويؤيده حديث أبي بكر المتقدم، والله أعلم.

٤ - ما يترتَّبُ على البرِّ والحنث:

اليمين المنعقدة إذا برَّ فيها الحالف -أي: فعل ما أقسم عليه- فلا شيء عليه ولا تلزمه كفارة.

أما إذا حنث -أي خالف المحلوف عليه، بثبوت ما حلف على عدمه، أو عدم ما حلف على ثبوته- لزمته الكفارة.

هل يمنع الحنثَ: النسيانُ والخطأ والإكراه؟

من حلف أن لا يفعل أمرًا ففعله ناسيًا أو مخطئًا -أي: معتقدًا فعل غيره- أو مكرهًا- فالصحيح أنه لا يحنث بشيء من ذلك، لحديث: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (٤).


(١) صحيح: أخرجه الترمذي (٢٢٩٣)، وأبو داود (٣٢٦٨)، وابن ماجه (٣٩١٨).
(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٨٢٦)، وأحمد (٤/ ٢٤٩)، والبيهقي (٣/ ٧٧).
(٣) «المغنى» (١١/ ٢٤٧)، وانظر «المحلى» (٨/ ٣٥).
(٤) حسن: تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>